" عقبة النفس "
" عقبة النفس "
النفس في الأصل ظالمة جاهلة، والظلم والجهل هو منبع الشر كله؛ فهي أصل كل شر ومنبعه ومعدنه، وما فيها من خير وعلم وإنابة وتقوى وهدى فمن ربها تبارك وتعالى؛ فإذا لم يشأ الله تزكية العبد تركه مع دواعي ظلمه وجهله.
قال تعالى: " إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي " [يوسف: 53]؛ فأخبر – سبحانه - أن الأصل في النفس هو الأمر بالسوء، واستثنى من ذلك النفوس الشريفة التي زكَّاها ورحمها.
وقال تعالى: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " [الشمس: 7-10].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من شرور النفس فيقول في خطبة الحاجة: «الحمد لله، نستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا» (رواه أهل السنن وصححه الألباني).
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
أقسام النفس
النفس واحدة باعتبار ذاتها، ثلاثة باعتبار صفاتها:
- نفس مطمئنة.
- ونفس لوامة.
- ونفس أمارة بالسوء.
أما النفس المطمئنة: فهي التي لا تأمر إلا بالخير والصلاح والعدل والرشد، ولا يكون ذلك إلا بمعونة من الله تعالى ورحمة منه وفضل.
وأما النفس اللوامة: فهي التي تأمر بالشيء ثم تلوم عليه؛ فإن لامت على فعل الخير لحقها الذم، وإن لامت على فعل الشر مُدحَتْ.
وأما النفس الأمارة بالسوء: فهي النفس الظالمة الجاهلة التي تريد هلاك العبد وخسارته، وتوالي أعداءه على محاربته؛ فإن النفسَ الأمارةَ بالسوء من أهمِّ أعوان الشيطان على محاربة الإنسان، وإذا استسلمت النفس للشيطان وصارت من أعوانه وأتباعه سهل بعد ذلك استسلام جميع الجوارح، وقتل جنود القلب واحدًا تلو الآخر.
أقسام الناس مع النفس
والناس بالنسبة للنفس على قسمين:
قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار تحت أوامرها.
وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعًا لهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم؛ فمن ظفر بنفسه فقد أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه فقد خسر وهلك.
قال تعالى: " فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى " [النازعات: 37-41].
مجاهدة النفس
ومجاهدة النفس ليست بالشيء الهين؛ بل إن مجاهدة النفس أشق على العارفين من جهاد الأعداء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (رواه أحمد وابن حبان وصححه الحاكم ووافقه الذهبي)؛ فجهاد النفس مقدَّمٌ على جهاد العدو الخارجي وأصلٌ له؛ لأن من لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوِّه في الخارج؛ إذ كيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلِّطٌ عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله؛ بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
مختارات