" أسباب ضعف الهمم وانحطاطها "
" أسباب ضعف الهمم وانحطاطها "
لضعف الهمم وانحطاطها ودنوِّها أسباب كثيرة، نذكر منها على وجه الاختصار:
1- الوهن: وهو كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم:«حب الدنيا وكراهية الموت» (رواه أحمد وصححه الألباني).
أما حب الدنيا: فهو رأس كلِّ خطيئة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب استئثار الشهوات والانغماس في الملذَّات والتنافس على دار الغرور.
أما كراهية الموت: فثمرة حبِّ الدنيا والحرص على متاعها، مع تخريب الآخرة، وهما صنوان لا يفترقان، ووجودهما يُورث الجبن والهمَّة العالية لا تسكن القلب الجبان.
2- وجود الإنسان في بيئة أو مجتمع ساقط الهمَّة:
فالبيئة التي تحيط بالإنسان لها دورٌ كبيرٌ في علوِّ همَّته أو سفولها وانحطاطها، فقد تكون سببًا في ترقيه وسموِّ همَّته وتشجيعه على طلب المعالي والعظائم، وقد تكون سببًا في عكس ذلك كالبيئة بالنسبة للنبات، فهي، إن كانت صالحة نما النبات وترعرع وإن كانت سيئة ضعف ومات.
3- ضعف التربية المنزلية أو فسادها:
وهذا السبب أخصُّ من سابقه، وذلك لأنَّ البيت هو المدرسة الأولى التي يتربَّى فيها الولد قبل أن تُربِّيه المدرسة أو البيئة وهو مدينٌ لوالديه في سُلوكه المستقيم/ كما أنهما مسئولان عن فساده وانحرافه.. والبيت الذي يُربَّى أولاده على الميوعة والترف والإسراف والخوف والجبن والهلع والفزع لا يمكن أن ينشأ أولاده على علوِّ الهمَّة، أو يتربَّوا على معالي الأمور، والعكس صحيح.
4- الاستجابة للصوارف الأسرية:
من زوجة وأولاد، و استغراق الجهد في التوسُّع في تحقيق مطالبهم، فالزوجة والأولاد قد يكونون فتنةً للرجل حيث يصدُّونه عن العبادة وعن طلب العلم والسعي إلى المعالي ويثنونه عن مراده، وذلك بسبب كثرة طلباتهم وتخذيلهم له، ولهذا قال ربنا عز وجل: " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ " [الأنفال: 28].
وقال سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ " [التغابن: 14].
5- الكسل والفتور:
وهما عائقان خطيران، ولا بدَّ للمرء من البعد عنهما لأنهما قاتلان للهمَّة مُذهِبان لها، وقد قيل: «ما لزم أحد الدعَّة إلا ذلَّ، وحُب الهوينى يُكسب الذل، وحب الكفاية أي الاكتفاء بما عليه وعدم الرغبة في الارتقاء- مفتاح العجز».
6- صحبة البطالين ومرافقة ساقطي الهمَّة:
الذين كلما هم الإنسان جذبوه إليهم وقالوا له: «أمامك ليلٌ طويلُ فارقُد» والطبع يسرق منهم، والمرء يتأثر بعادات وأخلاق جليسه، وصُحبة هؤلاء تعُوق المرء عن همَّته وتُثنيه عن عزيمته وتحول بينه وبين طلب المعالي وقد قيل:
ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإنَّ خلائق السفهاء تُعدي
7- كثرة الزيارات للأقارب والأصحاب:
وإهدار الوقت في فضول المباحات، وفيما لا يعود بمنفعة أو فائدة في الدنيا والآخرة، فهذا مما يصرف الإنسان عن طلب المعالي، ويؤدِّي إلى ضياع عمره، وصدق من قال: «إذا طال المجلس صار للشيطان فيه نصيب».
8- متابعة وسائل الإعلام الهابطة:
التي تُثبط الهمم وتخنق المواهب وتُكبت الطاقات وتخرب العقول، وتزرع في الناس ازدرَاء النفس، وتعمق فيهم احتقار الذات والشعور بالدونية، وتقود الناس إلى الهاوية، وتقتل المروءة والرجولة، وتؤدِّي إلى انحطاط الهمم ودنوِّها.
9- الانحراف في فهم العقيدة:
وخاصة مسألة القضاء والقدر، وعدم تحقيق التوكُّل على الله حق توكُّله، وعدم الأخذ بالأسباب، فهذه من أعظم مُثبطات الهمم ومضعفات العزائم، وقاتلات لكلِّ حماسٍ وتطلُّع إلى العلو، ومبدلات للعزِّ بالذل، والعلم بالجهل، والنشاط بالبطالة، والتقدُّم بالانحدار والسقوط.
10- ملاحظة الناس وتقليدهم تقليدًا أعمى:
ولا شكَّ أن أكثر الخلق مفرطون، وهم في الغفلة غارقون، وهم صوارف عن الهمَّة العلية، يقول ابن القيم رحمه الله: «فما على العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه، فنظره قاصر، وهمَّته واقفة عند التشبه بهم وتقليدهم، والسلوك أين يسلكون حتى لو ليدخلوا جحر ضب لأحب أن يدخل معهم».
11- العشق: لأنَّ صاحبه يحصر همَّته في حصول معشوقه، فيلهيه ذلك عن حبِّ الله ورسوله، كما أنَّ العشق يمنع القرار، ويسلب المنام، ويحدث الجنون، ويتلف الدين والدنيا، والمال والعرض والنفس، ويصير الملك عبدًا فهو من أقوى أسباب ضعف الهمم وانحطاطها.
12- الإعجاب بالنفس والاستبداد بالرأي:
وهذا آية الجهل، ودليل السفه ونقص العقل، يمنع المرء من الاستفادة من عقول الآخرين والاستنارة بآرائهم وتجاربهم والعكس صحيح، فالمبالغة في احتقار النفس تقتل الطموح، وتُفقِد الإنسان الثقة بنفسه، واستشارة من ليس أهلاً لها تورد المهالك، وتُثنِي عن المعالي.
13- التردُّد المذموم والاندفاع الزائد:
وكلاهما مذمومٌ حيث يؤدِّيان إلى ضعف العزيمة وموت الهمَّة وصدق من قال:
إذَا كُنتَ ذَا رَ أيٍ فَكُنْ ذَا عَزِيمَةٍ فَإنَّ فسَادَ الرَّأيِ أنْ تَتَرَدَّدَا
14- الحسد والطمع والجشع:
وكلُّها من موجبات سقوط الهمَّة، وسقوط الجاه والمنزلة، فالحاسد والطمَّاع والجشع لا تعلو لهم مكانة، ولا ترتفع لهم منزلة، لأنهم دنيئي الهمَّة مُهيني النفس.
15- الذنوب والمعاصي:
وهذا السبب جامعٌ لكلِّ ما مضى، والذنوب تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مُهيَّئًا لأن يكون من العليَّة، وتورث الذُل، وتُفسِد العقل، وتُذهِب الحياء، وتُصغِّر النفس، وتُنسِي العبد نفسه، وكلُّ هذه الأمور من أسباب دنوِّ الهمم وانحطاطها.
مختارات