" أسباب الارتقاء بالهمَّة "
" أسباب الارتقاء بالهمَّة "
هناك أسباب كثيرة ووسائل متعدِّدة للارتقاء بالهمَّة، وهي في الحقيقة الوجه الآخر لأسباب انحطاط الهمَّة.. وفيما يلي جُملة منها:
1- التربية الصحيحة من قبل الوالدين:
فإنَّ الولد الذي يحرص والداه على تربيته على الخصال الحميدة والأخلاق الفاضلة، والخلال الكريمة مع إبعاده عن مساوئ الأخلاق ومرذول الفعال سيشبُّ بإذن الله عالي الهمَّة، محبًّا لمعالي الأمور، متصفًا بمكارم الأخلاق، كارهًا لسفاسف الأمور.
ومن أراد أن يعرف أثر الوالدين في نفوس الأولاد فليتتبع حال سلفنا الصالح الذين خرَّجوا لنا أفضل الأجيال، وقدَّموا لنا أ عظم الأبطال، فمن كان وراء عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد وعبد الله بن الزبير؟ ومن الذي صنع البخاري وابن تيمية وابن القيم وغيرهم؟ إنهم الآباء العظماء والأمهات الفضليات.
2- وجود المربين الأفذاذ والمعلمين القدوة:
الذين يتَّصفون بعلوِّ الهمَّة وحُسن الخلق، ويستشعرون عظم المسئولية وضخامة الأمانة، ويحرصون على بثِّ رُوح التنافس بين طلابهم، وتربيتهم على طلب المعالي والترفُّع عن الدنايا وعزَّة النفس وقوة العزيمة، ويؤثِّرون فيهم بالفعل قبل القول.
3- العلم والبصيرة:
فالعلم يصعد بالهمَّة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، ويورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال؛ فيتَّقي فضول المباحات التي تشغله عن التعبُّد، ويبصره بحِيَل إبليس وتلبيسه عليه كي يحول بينه وبين ما خُلق له، ويحثُّ على طلب المعالي والترفع عن الدنايا.
4- مجاهدة النفس ومحاسبتها:
فبدون ذلك لا يتحقَّق شيء ولا يخطو المرء خطوة للإمام ولهذا قال ربنا عز وجل: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " [العنكبوت: 69].
ولا شكَّ أنَّ مجاهدة النفس وحرمانها من بعض ملذَّاتها ورغباتها وعوائدها، وإلزامها بأعمال تحتاج جهدًا ومشقَّة، ومحاسبتها على التقصير، وأخذها بالجدِّ والحزم، لا شكَّ أنَّ هذا يقوِّي الإرادة، ويبعث على العزيمة يقول الشاعر:
وفي قَمع أهوَاء النفُوسِ اعتزَازُها وفي نَيلهَا مَا تَشتهي ذُلٌّ سَرمدُ
5- إرادة الآخرة وجعل الهموم همًّا واحدًا:
قال تعالى: " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا " [الإسراء: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له» (رواه الترمذي وصححه الألباني).
6- تذكُّر الموت وقصر الأمل:
فهذا يُوقظ الهمَّة، ويبعث الجد والاجتهاد، ويدفع إلى العمل للآخرة، والتجافي عن دار الغرور وتجديد التوبة وإيقاظ العزم على الاستقامة.. يقول ابن القيم رحمه الله: «صدق التأهُّب للقاء الله- ومنه تذكر الموت والاستعداد له- من أنفع ما يكون للعبد وأبلغه في حصول استقامته، فإنَّ من استعدَّ للقاء الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها، وخمدت من نفسه نيران الشهوات، وأخبت قلبه إلى الله وعكفت همَّته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته واستحدثت همَّة أخرى وعلومًا أخر، وولد ولادة أخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمِّه.. أ.هـ.
7- الدعاء الصادق والالتجاء إلى الله:
فهو المسئول وحده أن يقوِّي إرادتنا، ويعلي همَّتنا ويرفع درجاتنا.. وبالدعاء تشرف النفس وتعلو الهمَّة، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أعنِّي على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك» (رواه أبو داود وصححه النووي).
8- قراءة القرآن الكريم وتدبره:
فهو يهدي للتي هي أقوم، ويدفع إلى الكمالات، ويحثُّ على الفضائل، ويدعو إلى كلِّ جميل، وهو الذي يرهف العزائم ويعلي الهمم، ويقوي ا لإرادات، ويحفز النفوس على العمل النافع والسعي المثمر، ويطهر النفوس من الدنايا، وينأى بها عن محقرات الأعمال وسفاسف الأمور، وهو الذي جعل من رعاة الغنم قادة الأمم فنشروا العدل، وقضوا على الظلم، وفجَّروا العلم والحكمة تفجيرًا.
9- التحوُّل عن البيئة المثبطة للهمم:
فعلى المرء أن يهجر البيئة التي تدعوه إلى الكسل والخمول وإيثار الدون حتى تعلو همَّته، وتتحرر من سلطان تأثيرها، وتنعم بفرصة الترقِّي إلى المطالب العالية حيث يجتمع قلبه، ويلتئم شمله، وتتوحد همَّته، وتتوجه بصدق وعزم نحو المعالي.
10- مصاحبة أولي الهمم العالية:
وهذا السبب أخصُّ من سابقه، وهو من أ عظم ما يبعث الهمَّة ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس، وذلك لأنَّ كلَّ قرين بالمقارن يقتدي، والمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه، مجبول على الغيرة والتنافس ومزاحمة الآخرين.
ووجود الصاحب، الذي يجري بك نحو معالي الأمور، ولا يتوانى في تقديم ما يمنحك التوفيق، ويعتبر نجاحك نجاحًا شخصيًا له، مهم في وصولك إلى القمة وبلوغ المعالي. وهذا يفسر لنا قول ابن مسعود رضي الله عنه: «اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله».
ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ما أعطي عبد بعد الإسلام خيرًا من أخ صالح فإذا رأى أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به».
أنتَ في النَّاس تُقَاس بالذي اختَرت خَلِيلا
فاصْحَب الأخيَار تَعلو وتَنل ذِكرًا جَميلا
صُحبة الخَامِل تكسُو من يُؤاخِيه خُمُولا
وإذا أردت أن تعرف أثر الصحبة العالية الهمَّة في التسابق إلى الخيرات، فتأمَّل ما قاله محمد بن علي السلمي رحمه الله: «قمت ليلة سحرًا لآخذ النوبة على ابن الأخرم، فوجدت قد سبقني ثلاثون قارئًا، ولم تدركني النوبة إلى العصر».
11- إدامة النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
فهو أقوى الناس عزيمةً وأعظمهم إرادةً وأعلاهم همَّة، وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بالمواقف والأحداث التي تبعث علوَّ الهمَّة وتوقظ العزيمة.
يقول ابن حزم رحمه الله: «من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها؛ فليقتدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه».
مختارات