" مقـدمة "
" مقـدمة "
فغير خاف على عاقل لزوم حق المنعم ولا منعم بعد الله جل وعلا على العبد كالوالدين، فحقهما عظيم ومكانتهما عالية وبرهما من أفضل القربات وهو من أجل الأمور التي حض عليهما الإسلام وأكدتها نصوصه القاطعة الحاسمة، وهو من أهم المهمات وأوجب الواجبات، وسبب لدخول الجنات، بل هو أوسط أبواب الجنة، فعن رفاعة بن إياس قال: " رأيت الحارث العكلي في جنازة أمه ـ يعني ـ يبكي، فقيل له: لماذا تبكي؟ قال: ولم لا أبكي وقد أغلق عني باب من أبواب الجنة؟ ".
وبر الوالدين مما أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية، وهو سبب لسعة الرزق وزيادة العمر، وتفريج الكربات، وإجابة الدعوات وانشراح الصدر وطيب الحياة، وهو من أسباب بر الأبناء وصلاحهم بعد ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم» (رواه الطبراني في المعجم الأوسط).
ولقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة تدل دلالة واضحة على أن الله تعالى أعد للوالدين منزلة عالية وفرض لهما حقوقاً عظيمة حتى إنه ـ تعالى ـ لم يقرن بحقه أي شيء سوى حق الوالدين، فقال جل وعلا: " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " [النساء: 36]، وقال صلى الله عليه وسلم: «رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد»(رواه الترمذي) بل لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين مقدما على الجهاد في سبيل الله، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة في وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله» (متفق عليه).
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله قال: «فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع فأحسن صحبتهما» [وهذا لفظ مسلم].
وفي رواية لهما أن رجلا جاء فاستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما جاهد».
وتقديم الله بر الوالدين على الجهاد في سبيله رحمة منه وفضل، وليس هذا في الحقيقة إلا نوعا من الجهاد، فهو جهاد الجسم في الخدمة، والنفس في الطاعة، والمال في الإنفاق، ولا يقوم بذلك إلا من أراد الله له الخير وكتبه من السعداء.
ولقد وعد الله تبارك وتعالى المسلم البار بوالديه بثلاث خصال كل واحدة خير من الدنيا وما فيها، الأولى: أن يتقبل الله عنه أحسن ما عمل أي أن الله تعالى يجازيه ويثيبه بأحسن أعماله لا بأوسطها ولا بأدناها كرما منه سبحانه وجودا، ثم يجزيه على هذا الحسن بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ثم يزيده من فضله ".
الثانية: أن يتجاوز عن سيئاته فيمحو السيئات ويغفر الخطيئة ويستر من الفضيحة ويصرف العقوبة.
الثالثة: دخول الجنة، فقد ضمن الله سبحانه الجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح والبر بالوالدين والإحسان إليهما وشكر نعمة الله تعالى بهما وعليهما، كذلك يجزي الله الشاكرين.
قال تعالى: " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ " [الأحقاف: 15 -، 16].
مختارات