" التوبة من ترك الحسنات "
" التوبة من ترك الحسنات "
يظن بعض الناس أن التوبة لا تكون إلا من العصاة ومرتكبي الذنوب والخطايا، وهذا ظن في غير محله؛ فإن التوبة تكون – أيضًا – ممن ترك الحسنات ولم يستزد من الطاعات، وقد نص بعض أهل العلم على أن العبد إذا ترك فعل المستحبات رغبة عنها فقد باشر أمرًا مكروهًا.
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عمن لا يواظب على السنن الرواتب، فأجاب: «من أصر على تركها، دل ذلك على قلة دينه، وردت شهادته في مذهب أحمد والشافعي، وغيرهما» (م جموع الفتاوى).
وصدق – رحمه الله – فيما قال؛ فإنك تجد من يقل من فعل السنن أقرب ما يكون إلى مواقعة المحرمات؛ بخلاف من حافظ على السنن والطاعات المستحبات فإنها تكون حاجزًا بينه وبين مواقعة المحرمات، فينبغي على المسلم أن يتوب من ترك الحسنات أو التقصير فيها أو التغلغل عنها ويُقبل على الحسنات ويكثر منها كلما تيسرت له ووجد أسبابها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله:
«وليست التوبة من فعل السيئات فقط، كما يظن كثيرٌ من الجُهَّال، لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم؛ بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها؛ فأكثر الخلق يتركون كثيرًا مما أمرهم الله به من أقوال القلوب وأعمالها، وأقوال البدن وأعماله، وقد لا يعلمون أن ذلك مما أُمروا به، أو يعلمون الحق ولا يتبعونه، فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع، وإما مغضوبًا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته.
وقد أمر الله عباده المؤمنين أن يدعوه في كل صلاة بقوله: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " [الفاتحة: 6 - 7]»(«التوبة» لابن تيمية).اهـ.
بل إن الأمر أبعد من ذلك وهي منزلة لا يبلغها إلا الخلص من المؤمنين، وهي توبة المرء من تقصيره في الحسنات بعد أن يعملها وخوفه أن لا يكون قد أتى بها على الوجه المطلوب، ولذا صح عن عائشة – رضي الله عنها – أنها لما قرأت قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ " [المؤمنون: 60]، قالت: أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يا بنت الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه» (رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم في «المستدرك» 2/394 ووافقه الذهبي، وكذا العلامة الألباني في «الأحاديث الصحيحة» ).
«وهذا منهم من باب الإشفاق والاحتياط؛ أنهم خائفون وجلون ألا يتقبل منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط الإعطاء» (انظر «تفسير ابن كثير» ).
ولذا قال الحسن البصري – رحمه الله -: «إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقة» (انظر «تفسير ابن جرير» ).
مختارات