" الرياء - كفر النعمة - عقوق الوالدين "
" الرياء - كفر النعمة - عقوق الوالدين "
الرياء: فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سَمَّعَ سَمَّعَ الله به، ومن راءى راءى الله به» (رواه مسلم).
والرياء في الأعمال هو إرادة غير الله - جل وعلا – بها؛ وهو أنواع وأقسام؛ فمنها ما يحبط العمل من أصله؛ كمن يعمل العمل لغير الله من أصله؛ كأن يؤدِّي الزَّكاة سمعةً وطلبًا للذِّكر والمدح عند الناس؛ لا يقصد بذلك وجهَ الله ألبتة.
ومن الرياء ما يُضْعف العمل ويُنْقصه أجرَه وكمالَه وتمامَه؛ كمَنْ يَقْصد بالعمل وجهَ الله، ثم أثناء العمل يزيِّنه ويُحْسنه لإلفات وجوه الناس، وقد يتخلَّله ذلك في العمل كله، وقد ينزغه الشيطان في ذلك قليلا ثم يذهب عنه.
والمراد في هذا الكتاب أن الرياء من المخالفات الخطيرة التي يُعَجِّلُ الله عقابها في الدنيا ويجازي عليها أصحابها بضدِّ ما قصدوا بأعمالهم.
يقول ابنُ قيم الجوزية - رحمه الله: «لما كان المتزيِّنُ بما ليس فيه - أي المرائي الذي لا يخلص لله في أعماله - ضدَّ المخلص؛ فإنه يظهر للناس أمرًا وهو في الباطن بخلافه - عامله الله بنقيض قصده؛ فإن العاقبة بنقيض القصد ثابتة شرعًا وقدرًا.
ولما كان المخلصُ يعجَّل له من ثواب إخلاصه الحلاوة والمهابة في قلوب الناس، عجَّل الله للمتزين بما ليس فيه من عقوبته أن شانه الله بين الناس؛ لأنه شان باطنَه عند الله، وهذا موجب أسماء الرَّبِّ الحسنى وصفاته العليا..» (إعلام الموقِّعين لابن القيم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بعمله سَمَّعَ الله به مسامع خلقه، وصَغَّرَه وحَقَّرَه»(رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب).
كُفْرُ النِّعْمَة: قال تعالى: " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " [النحل: 112]، وقال تعالى: " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " [إبراهيم: 7].
فَمَنْ كَفر نعمة الله ولم يُؤَدِّ حقَّها من الحمد والشكر فقد استوجب على نفسه حلولَ العذاب الشديد، وتبديل النِّعمة بالنِّقمة، والرغد والسعة بالضِّيق والهوان، والأمن والاستقرار بالخوف والاضطراب، وهذا مشاهد ومعلوم بالضرورة عند الناس عامة، ولا تزال وقائع الأزمان وشواهد التاريخ تروي قصص الكافرين بنعم الله الجاحدين لها، كيف صنع الله بهم وأرداهم خاسرين.
وليس شيء يعطي الله عليه الزِّيادة من غير استثناء غير الشكر، كما أنه ليس شيء يزيل الله به النِّعَم ويمحقها غير كفر النِّعم وجحدها؛ فالكفر بنعم الله من المعاصي الموجبة للعقوبات العاجلة؛ قال – تعالى - عن قوم فرعون الذين كفروا وما شكروا: " كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ " [الدخان: 25-29].
يقول سيد قطب - رحمه الله: «انظر إلى هوانه وهوانهم على الله، وعلى هذا الوجود الذي كان يشمخ فيه بأنفه، فيطأطئ له الملأ المفتونون به، وهو أضل وأزهد من أن يحس به الوجود، وهو يسلب النعمة فلا يمنعها من الزَّوال، ولا يرثى له أحد على سوء المآل، لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله فيها؛ ذهبوا ذهاب النمال، وهم كانوا جبَّارين في الأرض، يطؤون الناس بالنعال، ذهبوا غير مأسوف عليهم» (الظلال).
عقوق الوالدين: ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، و العقُوقُ» ( /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name: " جدول عادي " ; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent: " " ; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family: " Times New Roman " ; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} رواه الحاكم في المستدرك وهو في السلسلة الصحيحة).
فعقوقُ الوالدين والرَّغْبَةُ عن طاعتهما وزَجْرُهما وعدمُ الإحسان إليهما والنفقة عليهما وغير ذلك من صور العقوق وأشكاله يُعَجِّلُ الله على ذلك العقاب في الدنيا فيقتص من العاق بما يشاء وكيف يشاء ! سئل شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن رجل عجز عن الكسب ولا شيء له وله زوجة وأولاد، فهل يجوز لولده الموسر أن ينفق عليه وعلى زوجته وإخوانه الصِّغار؟
فأجاب: الحمد لله رب العالمين، نعم؛ على الولد الموسر أن ينفق على أبويه وزوجة أبيه وعلى إخوته الصِّغار، وإن لم يفعل ذلك كان عاقًّا لأبيه، قاطعًا لرحمه مستحقًا عقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة، والله أعلم (جموع الفتاوى).
مختارات