تابع " مسؤولية الإمام "
تابع " مسؤولية الإمام "
سادسًا: التخفيف والرفق بالمأمومين:
ينبغي للإمام أن يخفف الصلاة على المأمومين ولا يشق عليهم؛ لأنه قد يكون منهم الصغير والشيخ الكبير وصاحب الحاجة أو مريض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء»(رواه البخاري ومسلم).
وعن عثمان بن العاص الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أُمَّ قومَك» قال: قلت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي شيئًا قال: «أدنه» فجلسني بين يديه ثم وضع كفه في صدري بين ثديي، ثم قال: «تحول» فوضعها في ظهري بين كتفي ثم قال: «أُمَّ قومَك؛ فمن أَمَّ قومًا فليخفف؛ فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف يشاء» ( رواه مسلم).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم» (رواه ابن ماجه).
قال ابن عبد البر: ينبغي لكل إمام أن يخفف؛ لأمره صلى الله عليه وسلم، وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل عارض وحاجة وحدث وغيره؛ فإن كان وحده فليصل ما شاء تخفيفًا أو مطوَّلاً (ياسر الكبيسي؛ أحاديث الإمامة والخطابة).
والمقصود بالتخفيف هنا ليس الإخلال بأركان الصلاة وواجباتها بل الإتيان بها من غير إطالة، بحيث لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات (ابن حجر، فتح الباري بتصرف، وهذا لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن يكون ذلك تطويلاً، انظر: ابن حجر، فتح الباري).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الصلاة مع إقامتها وإتمامها؛ عن أنس رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها (رواه البخاري).
وفي رواية: كان أخف الناس صلاة في تمام (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
قال ابن عبد البر: التخفيف لكل إمام مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه، إلا أن ذلك هو أقل الكمال، وأما الحذف والنقصان فلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نقر الغراب، ورأى رجلاً يصلي فلم يتم ركوعه فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»(رواه البخاري) وقال: لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود (رواه ابن ماجه)ثم قال: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أَمَّ قومًا على ما شرطنا من الإتمام (النسائي، كتاب الإمامة والجماعة، تحقيق وتعليق علاء الدين رضا).
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تُبغِّضوا الله إلى عباده؛ يطوِّل أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه (ابن حجر، فتح الباري).
والإيجاز يكون مع الإكمال والإتيان بأقل ما يمكن من الأركان.
قال القاضي: خفة الصلاة عبارة عن عدم تطويل قراءتها والاقتصار على قصار المفصل، وعن ترك الدعوات الطويلة في الانتقالات، وإتمامها عبارة عن الإتيان بجميع الأركان والسنن واللبث راكعًا وساجدًا بقدر ما يسبح (ابن حجر، فتح الباري).
وقد بلغ من رفق الرسول صلى الله عليه وسلم بالمأمومين أنه يصلي ويريد صلى الله عليه وسلم الإطالة في الصلاة؛ فإذا أحسَّ أن هناك ما يشق على المأمومين خفف الصلاة.
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه»(رواه البخاري).
وقد غضب صلى الله عليه وسلم عندما شكا إليه رجل من إطالة إمامه فقال: «... أيها الناس، إن منكم منفرين؛ فمن أمَّ الناس فليتجوَّز؛ فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة»(رواه البخاري).
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يطيل الصلاة ويشق على من خلفه أنه: «فتان»؛ فقد بلغه صلى الله عليه وسلم أن معاذًا بن جبل رضى الله عنه يطيل الصلاة، فقال له صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ أفتان أنت - أو أفاتن. ثلاث مرات» (رواه البخاري).
والمقصود بالفتنة هنا: أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة ويكرههم في صلاة الجماعة.
وفتان: أي معذب؛ لأنه عذَّبهم بالتطويل (انظر: ابن حجر، فتح الباري).
سابعًا: ألا يخص نفسه بالدعاء:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أن يخصَّ نفسه بالدعاء في الصلاة، بل عدَّ ذلك من الخيانة.
فعن ثوبان عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، فإن نظر فقد دخل، ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة، فإن فعل فقد خانهم، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن»(رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قومًا إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم»(رواه أبو داود).
قال الطيبي: نسب الخيانة إلى الإمام لأجل شرعية الجماعة؛ ليفيد كلٌّ من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى فمن خصَّ الإمام بالخيانة فإنه صاحب الدعاء وإلا فقد تكون الخيانة من جانب المأموم (ياسر الكبيسي، أحاديث الإمامة والخطابة).
وقيل: السبب في نسبه الخيانة للإمام أنَّ المأمومين يعتمدون على دعائه ويؤمِّنون جميعًا عليه؛ اعتمادًا على عمومه؛ فكيف يخص بذلك الدعاء نفسه؟! (انظر: سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي).
مختارات