" الترهيب من إهانة العلماء أو هضم حقهم "
" الترهيب من إهانة العلماء أو هضم حقهم "
إن إهانة العلماء، أو ازدرائهم، أو تنقصهم، أو الاستخفاف بهم أعظم جرمًا، وأشد إثمًا من إهانة وازدراء غيرهم، وذلك لأن إهانة العلماء ليست إهانة لذواتهم فحسب، بل تتعدى ذلك إلى إهانة ما يحملونه من العلم، وما يتمثلون به من الدين والخلق.
ولهذا يخشى على من أهان أهل العلم من حلول العقوبة المعجلة به، لشناعة جرمه، وعظيم جنايته.
وهنا أسوق شيئًا من النصوص يتبين من خلالها مدى الخطورة التي تترتب على بخس العلماء حقهم، وفيها أيضًا بيان بعض صفات من استخف بالعلماء، وكونه على شفا جرف هار بوشك أن ينهار به إن لم يتب إلى الله من جرمه.
أولاً: أن من عادى العلماء فهو معادٍ لله وقد آذنه الله بالحرب، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادي لي وليًّا فقد آذنته بالحرب» (رواه البخاري (11/340-341) من فتح الباري).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: «المراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته» (فتح الباري).
وقال أيضًا رحمه الله تعالى: «لا يُحكم لإنسان آذى وليًا ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه، أو ماله، أو ولده، بأنه سلم من انتقام الله له، فقد تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشد عليه كالمصيبة في الدين مثلاً»(فتح الباري).
ثانيًا: أن من أهان العلماء فقد عرّض نفسه لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم، المتمثل في قوله: «ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه» (رواه أحمد والحاكم عن عبادة رضى الله عنه).
ثالثًا: أن تنقصهم والاستهزاء بهم طريق إلى الكفر كما قال تعالى: " قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) " [التوبة: 65-66].
رابعًا: أن من اغتابهم أو رضي بغيبتهم فهو معرّض لموت القلب.
قال ابن عساكر رحمه الله تعالى «اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته: أنّ لحوم العلماء مسموعة، وعادة الله في هتك من ناوأهم معلومة، وقلّ من اشتغل في العلماء بالثلب إلى عوقب قبل موته بموت القلب " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " [النور: 63].
وذكر الثعلبي في كتاب آداب الملوك عن علي رضى الله عنه أنه قال: «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته» (آداب الملوك للثعالبي).
خامسًا: أن في إبعاد السلطان للعلماء فساد له ولدولته، فكيف بإهانتهم، أو عدم قمع وزجر من أهانهم !!.
قال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه الله» (متفق عليه).
سادسًا: أن المجتمع الذي يهان فيه العلماء مجتمع متداعٍ للتصدع والفوضى، كيف لا !! والعلماء نور للناس، بهم يقتدون، وعن رأيهم يصدرون، فهم للناس كالشمس في النهار، وكالبدر في الليل.
ولقد أحسن القائل في وصف عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى عند خروجه من بلدة مرو:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نجمها وهلالها
فأي خيرٍ يرجى من مجتمع لا يرفع للعلم فيه رأس.
ولا خير في قوم يذل كرامهم ويعظم فيهم نذلهم ويسود
سابعا: أن في تنقص العلماء والاستخفاف بحقهم قدح في معتقد منتقصهم.
قال الطحاوي رحمه الله تعالى: «ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل» (العقيدة الطحاوية).
ثامنًا: إن في إهانة العلماء، وإسقاط حقهم وكرامتهم، تنفيذ مباشر لما يسعى له اليهود، فمن مخططاتهم الرهيبة ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون: وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين من الأمميين – غير اليهود – في أعين الناس، وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كئودًا في طريقنا، وإن نفوذ رجال الدين على الناس ليتضاءل يومًا فيومًا (بروتوكولات حكماء صهيون).
ولقد أدرك اليهود وأذنابهم مدى ثقة المسلمين بعلمائهم وترسخ تلك الثقة في سويداء قلوب المسلمين، فبدأوا حملة مسعورة مستترة استعملت كل أفانين الدعاية والإشاعة وأساليب علم النفس والاجتماع لتشويه سمعة علماء الأمة حتى تكرههم الأمة وترفض من ثم الائتمار بأمرهم أو التأثر بعلمهم، وتكاتفت جهود الصليبية واليهودية ومن تبعها للإجهاز على سمعة علماء القرآن في قلوب أمة القرآن، ولم يأبه لهذه الحملة في البدء علماء الأمة ولاعامتها، ولكنها على مر السنين آتت أكلها النجسة الهدامة، وأفاقت الأمة الإسلامية على جيل جديد له نظرة جديدة جيل آمن كما أراد أعداء الإسلام بأن العلماء قوم غير صالحين قوم رجعيون، جامدون، متخلفون، متعفنون..» (المشايخ والاستعمار).
فانظر رعاك الله كيف تم لليهود وأعوانهم ما أرادوا، ليس هذا فحسب بل ما زال في ديار المسلمين من أبناء المسلمين من يحذو هذا الحذو من التهكم بالعلماء، ورميهم بأقذع العبارات وأسقطها، مطبقًا بذلك ما سعت له يهود لعنها الله.
وإن ما يُرى ويسمع ويقرأ في وسائل الإعلام العالمية المختلفة فينة بعد أخرى لآكد دليل على قوة سهام تلك الحملة المسعورة على علماء المسلمين، وإليك بعض الأمثلة -وهي غيض من فيض- التي يتجلى فيها بوضوح الحط من كرامة العلماء وتمييع منزلتهم:- فمن ذلك أنهم يقرنون لقب الشيخ بأسماء بعض الأعلام من المنحرفين والرقاصين والمخنثين، وذلك في إشاعة دعاياتهم وعروضهم الإعلامية «كالشيخ سيد درويش» «والشيخ زكريا أحمد» وأكابر المجرمين من الملحدين «الشيخ مجيب الرحمن» الذي دأبت أذاعة لندن على ذكره مقرونًا بهذا اللقب لتعلّمه لسامعيها من المسلمين تعليمًا مكرورًا لا يزال يذكره من يذكره.
وعندما نصّبت فرنسا الشيخ تاج الدين بن الشيخ بن بدر الدين الحسيني رئيسًا للجمهورية السورية، قامت عصابة من المهرجين طافت في كل حواضر البلاد السورية آنذاك لتمثل هذه الهزلية المؤلمة الهادفة: يركب مهرج عاهر على حمار «بالمقلوب» أي موجهًا ظهره لرأس الحمار ووجهه لذيله، ويضع المهرج عمامة على رأسه، ويمسك بذيل الحمار الذي يوضع على رأسه عمامة أيضًا، ويتخلع المهرج بحركات بذيئة وهو يصيح: «أنا الشيخ تاج عزوني».
وفي الفترة نفسها امتلأت جدران الحواضر السورية بمساخر «كاريكاتورات» تمثل حمارًا كتب عليه «الشيخ تاج» وقد رسموا على رأس الحمار عمامة أيضًا.
وأما في مصر فلقد أشاعوا في مجالات الإعلام «السينما والتلفزيون والجريدة والمجلة» صورة للأزهرية مضحكة وشرعية في نفس الوقت، فهو رجل يلبس ثوبًا فضفاضًا، وجبّة، وعمامة ويمتاز ببساطة وسذاجة بل وغفلة، ويتشدق بالفصيح من الكلام بأسلوب متكلف، ويتقعر بفظاظة لينفّر الناس من العربية، ويضحك الناس على نفسه وعلى الفصيح من اللغة، وتتكرر الصورة في كل مجال إعلامي دعائي (الأمثلة السابقة مستقاة «بتصرف» من رسالة «المشايخ والاستعمار» تأليف حسني شيخ عثمان).
مختارات