" أمثلة على ما يصيب العلماء من الابتلاء وبيان أن العاقبة للتقوى "
" أمثلة على ما يصيب العلماء من الابتلاء وبيان أن العاقبة للتقوى "
إن إمام العلماء وقدوتهم نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم من ذلك بل ناله أكثر مما نالهم وسينالهم، قالوا ساحر، وشاعر، وكاهن، ومجنون، وقذفوا أهله وكسروا رباعيته وشجوا وجهه، وأخرجوه من بلده، وناصبوه العداوة والبغضاء، ومع ذلك يثبته ربه بقوله: " مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ " (سورة فصلت: آية 43).
وهكذا صحابته رضى الله عنهم، نالهم ما نالهم من الأذى، وهكذا ما زال موكب العلماء ذلك الركب الطاهر من لدن أنبياء الله تعالى إلى ساعتنا هذه، وإلى قيام الساعة تعترض مسيرته عقبات وعقبات، ولكن ثم ماذا؟.
أين أعداء العلماء؟ أين المعارضون لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؟ أين خصوم شيخ الإسلام؟ بل أين خصوم جميع العلماء؟ لقد مات ذكرهم بموتهم، وبقي هؤلاء بعلمهم بقاء الجبل الأشم، مرفوع الرأس نائي الصدر، " وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [الأعراف: 128].
وأسوق هنا سبعة أمثلة، مثلان لبعض ما يتعرض له العلماء من أذى الفجّار والسفهاء، ومثال فيه بيان لعقوبة من وشى بالعلماء وشنع عليهم، وثلاثة أمثلة بها انتصار وغيرة من ولي الأمر على من أهان العلماء واستخف بهم. والمثال الأخير فيه مدى خطورة الاعتداء على العالم وعدم أخذ الحق له.
أما المثالان الأول والثاني فيتعلقان بعالمين أحدهما اسمه عبد الرحمن، والثاني اسمه بركات.
فأما عبد الرحمن فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه كان أحد المفتين، ضربه التتار، وصبوا عليه في الشتاء ماءً باردًا فتشنج ومات رحمه الله تعالى (سير أعلام النبلاء).
وأما بركات فقد ذكر ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب أنه توفي بسبب أنه خرج من بيته لصلاة الصبح بالجامع الأموي فلقيه اثنان وأخذا عمامته عن رأسه وضربه أحدهما على صدره، فانقطع مدة، ثم أراد الخروج إلى الجامع فما استطاع فتوضأ وصلى الصبح والضحى، وتوفي بعد صلاة الضحى، ودفن بمقبرة باب الصغير (شذرات الذهب).
أما المثال الثالث ففيه بيان بعض عقوبة من وشى بالعلماء ونكّل بهم، جاء في كتاب الفرق بين الفرِق ما نصه:-
ذكر صاحب تاريخ المراوزة أن ثمامة بن أشرس سعى إلى الواثق بأحمد بن نصر المروزي، وذكر له أنه يكفر من ينكر رؤية الله تعالى، ومن يقول بخلق القرآن، فاعتصم المعتصم ببدعة القدرية فقتله، ثم ندم على قتله، وعاتب ثمامة، وابن أبي دؤاد وابن الزيات في ذلك، وكانوا أشاروا عليه بقتله، فقال له ابن الزيات: إن لم يكن قتله صوابًا فقتلني الله تعالى بين الماء والنار وقال ابن أبي دؤاد: حبسني الله في جلدي أن لم يكن قتله صوابًا، وقال ثمامة: سلّط الله تعالى عليَّ السيوف إن لم تكن أنت مصيبًا في قتله، فاستجاب الله تعالى دعاء كل واحد منهم في نفسه: أما ابن الزيات فإنه دخل في الحمام وسقط في أتونه فمات بين الماء والنار، وأما ابن أبي دؤاد فإن المتوكل رحمه الله حبسه فأصابه في حبسه الفالج، فبقي في جلده محبوسًا بالفالج إلى أن مات، وأما ثمامة فإنه خرج إلى مكة فرآه الخزاعيون بين الصفا والمروة، فنادى رجل منهم فقال: يا آل خزاعة، هذا الذي سعى بصاحبكم أحمد بن نصر، وسعى في دمه، فاجتمع عليه بنو خزاعة بسيوفهم حتى قتلوه، ثم أخرجوا جيفته من الحرم فأكلته السباع خارجًا من الحرم، فكان كما قال الله تعالى: " فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا " [الطلاق: 9] (الفرق بين الفرق).
مختارات