كنود الإنسان وعبرة من الحيوان
قال الله تعالى:
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا(1)فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا(2)فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا(3)فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا(4)فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا(5)إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ(6)وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ(7)وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(8)أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ(9)وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ(10)إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ(11)} العاديات.
أقسم الله تعالى: بأقسام ثلاثة على أمور ثلاثة تعظيماً للمقسم به وهو خيل المجاهدين في سبيل الله،
أقسم بها متصفة بصفاتها التي ذكرها لينوه بشأنها ويرفع من قدرها في نفوس المؤمنين ليُعنَوا بقيمتها وتدريبها على الكر والفر وليحملوا أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل والإغارة بها كما قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].
وكلام المفسرين كلام حكيم مطابق لروح الدين الإسلامي دين الرجولة الكاملة والبطولة والفروسية والحماية، والأمان والسلام.
ولو تأملنا في قوله تعالى:{ إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } الذي يظهر أنه عمود السورة والذي من أجله سيقت الآيات التي وصفت فيها الخيل، لوجدنا أن الله يصف الخيل في هذه السورة بأوصاف ويذكر لها أعمال كلها ترجع إلى الوفاء والفداء والإيثار لسيدها.
فهي التي تفديه بنفسها، وتشقى لنعيمه، وتموت لحياته، ولا تعرف لنفسها ولا لحياتها حقاً، ترمي بنفسها في الخطر وفي النار والبحر وتصبر على الجوع والعطش، وتتحمل المشاق.
تفعل الخيل وهي الحيوان غير العاقل كل هذا مع سيدها الإنسان، وهو ليس لها برب، وهو الذي يستخدمها أكثر مما يخدمها. فكيف بالإنسان العاقل الشريف مع ربه وولي نعمه، إن الإنسان لربه لكنود !
{َإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد} يشهد به لسان الحال، وإن كذب اللسان فأحوال الإنسان وسيرته تصرخ بذلك.
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } والعلة الطبيعية لذلك أن الإنسان شديد الحب للمال، فالإنسان لا يمكن أن يجمع بين إلهين يعبدهما قال تعالى: { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }[الأحزاب:4]
فهذه السورة قد اشتملت على بيان المرض من خلال قوله تعالى: { إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ }
وعلى علته من خلال قوله تعالى { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }، وعلى علاجه من خلال قوله تعالى: { أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ }.
فإن الإيمان بالآخرة وتذكر الموت يكشف الغطاء عن العين، ويُفيق من سكرة الدنيا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أكثروا ذكر هادم اللذات).
************************
* أهم المصادر والمراجع:
ـ صفوة التفاسير: لمحمد علي الصابوني
ـ سنن الترمذي: الإمام الترمذي.
ـ دراسات قرآنية: لأبي الحسن الندوي
مختارات