" الجنة ونعيمها وصفة أهلها "
" الجنة ونعيمها وصفة أهلها "
فتقرب إليهم الجنة، فإذا رأوها ذهبوا إلى أبيهم آدم، قالوا: يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول عليه الصلاة والسلام: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟! فيدفعها عن نفسه، فيأتي نبينا صلى الله عليه وسلم فيطرق باب الجنة، فيقول له الخازن: من أنت؟ يقول: «أنا محمد» فيقول الخازن: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك (أخرجه مسلم) فيكون صلى الله عليه وسلم أول من يدخلها من سائر الناس، وأول من يدخلها من هذه الأمة أبو بكر رضى الله عنه.
الجنة أيها المؤمنون: نور يتلألأ، ونهر مطرد، ونعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، كان عباد الله الصالحين في الدنيا يسألون الله إياها ليلاً ونهارًا – قال الله سبحانه وتعالى: " لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً " [الفرقان: 16] وذكر الله خليله وصفيه وحبيبه إبراهيم بقوله: " وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ " [الشعراء: 85].
فإذا دنت الجنة فتحت أبوابها، وأبواب الجنة ثمانية، ما بين مصراعي كل باب مسيرة خمسمائة عام، وليأتين عليها يوم – مع اتساعها هذا – وهي كظيظة من الزحام – جعلنا الله وإياكم ممن يدخلها آمنا -.
وأهل الجنة أيها المؤمنون طوائف، فمنهم من دخل الجنة قبل يوم القيامة كآدم وحواء، والشهداء من المؤمنين، ومؤمن آل يس، قال الله سبحانه وتعالى: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ " [البقرة: 35] وقال الله سبحانه وتعالى: " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " [آل عمران: 169] وقال سبحانه وتعالى عن مؤمن آل يس: " قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ " [يس: 26، 27].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ملكًا استأذن ربه أن يأتيني ويبشرني بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(أخرجه أحمد والترمذي).
ومن نسائها المنعمات: خديجة بنت خويلد، وآسية بنت مزاحم، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، فهؤلاء الأربع سيدات نساء أهل الجنة على الإطلاق، كما أخبرنا نبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وممن كتب الله لهم دخولها ممن أخبرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم: العشرة المبشرون من أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام.
وقال العلماء: إنه لن يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة فجميع من كان من أصحاب بيعة الرضوان في غزوة الحديبية يدخل الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى وفضله، كما صح الخبر عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه -.
قلنا: أيها المؤمنون؛ إن الجنة نعيم لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع، لهم فيها أطيب المساكن، يدخلونها على طول أبيهم آدم: ستون ذراعًا في السماء جردًا، مردًا مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين.
* جردًا: أي لا شعر على أجسادهم.
* مردًا: أي لا شعر على وجوههم.
* أبناء ثلاث وثلاثين: قيل: إنها السن التي رفع فيها عيسى عليه الصلاة والسلام.
* وطول أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام كان ستين ذراعًا صلوات الله وسلامه عليه.
من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا يفنى شبابهم؛ ولا تبلى ثيابهم. لهم فيها أعظم النعيم، وأجل العطايا من رب كريم، تجري من تحتهم الأنهار، وترفرف من حولهم الأطيار، ويناديهم ربهم سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: " سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ " [يس: 58] ينحر لهم أول ما يدخلون ثور الجنة الذي كان يرعى من أطرافها، ولهم فيها شراب ونعيم، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من لبن، وأنهار من ماء غير آسن، وغير ذلك من لذات النعيم، كما قال الله: " فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [السجدة: 17].
أما أعظم ما يعطيهم الله سبحانه وتعالى إياهم فلذة النظر إلى وجهه الكريم، مع رضاه سبحانه وتعالى، الذي لا سخط بعده، وليس بعد هذين العطائين عطاء أبدًا، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة: إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا؟ ألم يجرنا من النار؟ ألم يدخلنا الجنة؟ فيكشف الحجاب، فيرون وجه ربهم – تبارك وتعالى – فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله – تبارك وتعالى -» (أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه).
مختارات