" الأدلة من الكتاب والسنة في الأمر بالالتزام "
" الأدلة من الكتاب والسنة في الأمر بالالتزام "
أولاً: الأدلة من الكتاب:
1- الالتزام هو الاعتصام:
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (سورة آل عمران: الآية: 103).
الاعتصام: هو لزوم الشيء والتمسك به.
وحبل الله تعالى: هو السبب الذي يوصل إلى رضاه، ويوصل إلى ثوابه، ويوصل إلى جنته ودار كرامته.
وسماه الله تعالى حبلاً في هذه الآية؛ لأن من تمسك به نجا ومن تركه اختل تمسكه واختل سيرهُ.
2- الالتزام هو التمسك:
قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}(سورة البقرة: الآية: 256).
التمسك: هو القبض على الشيء قبضًا محكمًا بكل ما يستطيع. وهذا أمر من الله تعالى أن نتمسك بشرعه بكل ما نستطيع، كما قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(سورة الزخرف: الآية: 43).
ثم بين الله سبحانه وتعالى أن الاستمساك بالعروة الوثقى لا يكون إلا بأمرين وهما:
1- الكفر بالطاغوت.
2- الإيمان بالله تعالى.
أما تفسير الطاغوت وتفسير الإيمان بالله فلا حاجة إلى الخوض فيه؛ لأن هذه الرسالة المختصرة لا تسمح بذلك ويمكن الرجوع إلى المؤلفات في هذا الأمر.
3- الالتزام هو الاستقامة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(سورة الأحقاف: الآية: 13).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}(سورة فصلت: الآية: 30).
قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: استقاموا على محبته وعبوديته فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة (انظر مدارج السالكين لابن القيم).
والاستقامة: هي السير السوي الذي ليس فيه اعوجاج ولا انحراف.
قال عمر بن الخطابرضى الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب (انظر مدارج السالكين لابن القيم).
ثانيًا: الأدلة من السنة:
1- حديث: قل آمنت بالله ثم استقم:
عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك – وفي حديث أبي أسامة: غيرك - قال: «قل آمنت بالله ثم استقم»(أخرجه مسلم).
أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وهي أن يسير سيرًا سويًا ليس فيه أية انحراف أو مخالفة، وهذا هو حقيقة الالتزام.
2- حديث: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين:
* عن العرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائلٌ: يا رسول الله ! كأنها موعظة مودع، فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»(أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي).
وهكذا يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالسنة والعض عليها بالنواجذ، ذلك أن القبض باليدين فيه عرضة للتفلت، فلأجل ذلك من شدة حرصه صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالعض عليها بالنواجذ والنواجذ: هي أقاصي الأسنان وهذا كناية على شدة التمسك بالسنة مخافة أن تتفلت.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوصي بالتمسك بالسنة ويشدد في ذلك؛ لأن المعوقات كثيرة، والشبهات متعددة، وهذه المعوقات والشبهات قد تضعف التمسك بالسنة؛ فلأجل ذلك أوصى صلى الله عليه وسلم بشدة التمسك بالسنة.
والشاب الملتزم حقًا: هو الذي يتمسك بالسنة ويقبض عليها قبضًا محكمًا، فيقبض عليها بيديه وعضديه مخافة أن تتفلت منه، ولو أدى ذلك إلى العض عليها بأقاصي أسنانه.
وقفات مع الحديث:
1- لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بالتمسك بالسنة بهذه الشدة، إلا لأنه يعرف أن هناك معوقات وأن هناك ضلالات وشبهات ودوافع وهذه الشبهات والضلالات قد ترخي تمسك الإنسان بهذه السنة، ولكن إذا عرف الشاب الملتزم أن تمسكه بالسنة وسيلةً لنجاته، وأن إخلاله بها وسيلة إلى هلاكه ودمار لحياته، فإنه بلا شك يتمسك بها أشد ما يكون التمسك.
2- أمر آخر: وهو أن الملتزم الذي يعمل بالسنة كما أمر لا شك أنه يلاقي من أعدائه ومن أضداده تسفيهًا وتضليلاً واستهزاءً وتنفيرًا وكيدًا وتنقصًا لحالته واستضعافًا لرأيه ورميًا له بالعيوب، وهذا ليس بخاف على أحد.
فإننا نسمع ما يُرمَى به الملتزمون من كلمات التنقص فإذا رأوه وقد أرخى لحيته قالوا: هذه لحية كأنها: «ذنب تيس»، أو كأنه: «عاض على جاعد» أو كأنها: «مكنسة بلدية».. أو كأنها.. أو كأنها.
وربما قالوا ما فائدة هذا الشعر، فإنه شعر لا فائدة فيه، وربما قالوا: أصلح فؤادك أو أصلح قلبك، فإن الإيمان في القلب ! فإذا آمن قلبك فلا فائدة في هذا الشعر ! وإذا آمن قلبك لا يضرك ما عملته ولا يضرك ما فعلته ! وهذه كلها شبهات وعوائق تعيق الإنسان عن سيره وتمسكه بالسنة الشريفة.
3- ثم أمر آخر: لقد رأينا كثيرًا من شبابنا الذين رجعوا إلى الله تعالى، وأقبلوا على الطاعة وصحبوا أهل الخير، ثم بعد فترة قليلة، وبعد زمن قصير ارتدوا على أعقابهم ورجعوا القهقري، وغيروا ما كانوا عليه من الالتزام والتمسك، وعادوا إلى لهوهم وسهوهم، وعادوا إلى المعاصي التي كانوا عليها من قبل.
لمــاذا؟!!
لأن التزامهم لم يكن محكمًا، وتمسكهم لم يكن قويًا، إضافة إلى ضعف إيمانهم مما جعلهم متدينين برهة من الزمان، ثم رجعوا إلى الضلال وإلى الانحراف.
إذًا فعلى المسلم أن يكون قابضًا على السنة وسائرًا على النهج السوي والمنهج المستقيم، الذي هو صراط الله الذي أمرنا بأن نسلكه وأن نسير عليه، والذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طريق واحد مستقيم ليس فيه أي انحراف أو ميل كما في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (سورة الفاتحة: الآية: 6).
وقوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}(سورة الأنعام: الآية: 153).
والمستقيم الذي ليس فيه اعوجاج.
3- حديث: هذا سبيل الله مستقيمًا:
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده، ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيمًا»، وخط عن يمينه وشماله، ثم قال: «هذه السبل، ليس منها سبيل إلى عليه شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(سورة الأنعام: الآية: 153)»(أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم في المستدرك).
هذه السبل التي كل منها عليه شيطان يدعو إليها ليس بالضرورة أن يكون شيطان جن؛ بل قد يكون من شياطين الإنس، وما أكثرهم في هذا الزمان وكل زمان، فهم يدعون إلى مخالفة صراط الله والابتعاد عنه.
إنهم يدعون إلى الطرق المنحرفة وإلى الطرق الملتوية.
* فهذا يدعو إلى الغناء واللهو !
* وذاك يدعو إلى الكسل والخمول !
* وآخر يدعو إلى الزنى والعُهْر والفاحشة !
* وآخر يدعو إلى التبرج والسفور !
* ومنهم من يدعو إلى ترك العبادات، كترك الصلاة أو التخلف عن الجماعات !
وما أكثر من يستجيب لهم من ضعاف الإيمان !!
ولكن المستقيم والملتزم بشرع الله، والمتمسك تمسكًا قويًا، يستطيع أن يتفلت من هؤلاء إذا دعوه إلى أهوائهم وشهواتهم وإلى الطرق المنحرفة، وذلك لأن سير المسلم على هذا الصراط سير سريع لا يتمكن دعاة الضلال من إيقافه.
إن الشاب المسلم الملتزم بدين الله، والذي سار على صراط الله المستقيم، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق:
* فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته الشيء الكثير من الأعمال الصالحة.
* أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته نحو ربه ونحو صراط الله المستقيم فهنيئًا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
فعلى المسلم أن يضبط سيره ويضبط استقامته.
فإذا دعاك أهل الضلال إلى ترك الصلاة أو ترك الجماعات أو البخل وقالوا: أمسك عليك مالك حتى ينفعك وتستفيد منه، أو دعوك إلى ترك السنن والعبادات ونوافلها كالتهجد في الليل أو صيام التطوع وغير ذلك، فلا تلتفت وأثبت في سيرك.
فهذا وصف الملتزم والمستقيم حقًا الذي لا يصده شيء عما هو قد هم به من الأعمال الصالحة.
مختارات