شهوة حب الشهرة
وله صور خفية وجلية منها:
حب تصدر المجالس والاستئثار بالكلام وفرض الاستماع على الآخرين، وصدر أي مجلس هو من المحاريب التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: « اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب».
فالمحراب الذي يعظ منه الواعظ مثلا من المذابح إن لم يراع هو العمل بما يقول، وامتثال ما أمر به ؛ مع أنها قد تكون مراكز التوجيه للخير والهداية إلى الفوز لكنها مع ذلك قد تودي بصاحبها إلى الشر وترمي به في الخسران.
الانتشاء بالمدح: ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: " المدح هو الذبح ".
قال المناوي: " وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه، وفيه ذبح للممدوح، فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر، ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى ".
وقد تعلَّم عبد الله بن عمر رضي الله عنه الدرس من أبيه الذي روى الحديث السابق، فكان لسلامة قلبه يكره المدح وينقبض منه، ولما جاءه رجل وقال له: يا خير الناس وابن خير الناس، قال له: " ما أنا بخير الناس ولا أنا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تُهلِكوه ".
محبة أن يقوم الناس له: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من سرَّه أن يمتثل له الرجال قياما فليتبوأ بيتاً من النار ».
ومثل هذا النوع من الناس يعتريه الغضب إن لم يقم له أحد ليجلس مكانه ويشعر بالمهانة وانتقاص القدر ؛ رغم نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: « لا يُقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ».
وأين هؤلاء من القلوب الحية التي كرهت الشهرة وعافت علو المكانة وتميز المكانة بين العامة. كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام، وكان خالد بن معدان إذا عظمت حلقته قام وانصرف كراهة الشهرة، وغيرهم وغيرهم لأن كل واحد منهم قد عرف قدر نفسه وحقيقة جهله وضعفه فما غرَّه ثناء الناس عليه. قال المروزي للإمام أحمد: " إني أرجو أن يكون يُدعى لك في الأمصار فقال: يا أبا بكر!! إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس ".
لذا ما تفاخروا مرة واحدة في حياتهم ولا غالوا في أثمانهم حتى لقاء ربهم بل تواضعوا، والمواقف لا تزال تُروى للإمام أحمد. قال عنه يحيى بن معين: " ما رأيت مثل أحمد!! صحبناه خمسين سنة فما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير ".
مختارات