" فتى يرحل في طلب العلم "
" فتى يرحل في طلب العلم "
قال علي بن عاصم: خرجت من واسط إلى الكوفة، أنا وهشيم، لنلقي منصوراً، فلما خرجت من واسط، وسرت فراسخ، لقيني إما معاوية، وإما غيره، فقلت: أين تريد؟ قال: أسعى في دين عليّ.
فقلت: ارجع معي، فإني عندي أربعة آلاف درهم، أعطيك منها.
فرجعت، فأعطيته ألفين، ثم خرجت.
فدخل هشيم الكوفة بالغداة، ودخلتها بالعشي، فذهب هشيم، فسمع من منصور أربعين حديثاً، ودخلت أنا الحمام، فلما أصبحت، مضيت، فأتيت باب المنصور، فإذا جنازة، فقلت: ما هذه؟ قالوا: جنازة منصور ! فقعدت أبكي فقال لي شيخ هناك: يا فتى ! ما يبكيك؟ قلت: قدمت على أن أسمع من هذا الشيخ، وقد مات.
قال: أفأدلك على سن شهد عُرْسَ أمِّ هذا؟ قلت: نعم.
قال: اكتب: حدثني عكرمة عن ابن عباس.
قال: فجعلت أكتب عنه شهراً، فقلت له: من أنت رحمك الله.
قال: أنت تكتب عني منذ شهر ولم تعرفني؟ أنا حصين بن عبد الرحمن، وما كان بيني وبين أن ألقي ابن عباس إلا سبعة دراهم، أو تسعة دراهم، فكان عكرمة يسمع منه ثم يجيء فيحدثني (الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي).
فانظر – رعاك الله – إلى تضحية هذا الفتى، الذي بذل نصف ماله، وبذل من وقته، وهجر الأوطان، فتأخر عن لقاء الشيخ منصور، فهيأ الله تعالى له شيخا هو شيخ المشايخ وأستاذهم آنذاك: حصين بن عبد الرحمن، وما ذاك إلا دليل على شدة إخلاصه في طلب العلم، وصدق المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (منهج التربية النبوية للطفل).
مختارات