" فضول السمع "
" فضول السمع "
نعمة السمع أخي المسلم نعمة كبيرة من نعم الله تعالى على العبد، لا يعرف قيمتها حقيقة إلا من حُرمها، ونعمة السمع قد قدّمها سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في مواضع كثيرة على نعمة البصر، وذلك يوضح مدى فضل هذه النعمة، كقوله تعالى في عدة آيات: ﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من العالمين وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، والله سبحانه وتعالى منحنا هذه النعمة لنستعملها فيما يرضيه عنا؛ فلا نسمع إلا ما يرضيه لا ما يسخطه ويغضبه.
والسمع مجاله واسع، ولذا فالواجب على المسلم ألا يعطي أذنه لكل أحد؛ فيصدق كل ما يسمع، وما ينشر وما يروج؛ لأن ذلك يعني سذاجة منه وقلة وعي.
وكم من أشخاص صارت حياتهم مليئة بالمشاكل والمشاحنات؛ لأنه أعطى أذنه لكل أحد، فيسمع من هذا ويسمع من هذا دون أن يتأكد ويتثبت مما سمع.
والسمع المحرم له صور كثيرة؛ منها الاستماع لما يغضب الله تعالى كالغناء والموسيقى والتلذذ بسماعها، والمسلم إذا تعود سماع ذلك وانسجم معه ولا سيما بصوت مرتفع ومزعج قد يضايق ذلك غيره، وإذا ألفت نفسه ذلك وارتاحت لذلك الفعل فيتولد لديه - والعياذ بالله تعالى - الإعراض عن سماع القرآن الكريم والتلذذ به، ويأنف عن سماع الخير والنصائح والأشرطة النافعة المفيدة، فيجازيه الله تعالى بالحرمان من الخير ويعاقبه بحب الحرام وإدمانه.
ومن صور السمع المحرم الاستماع للغيبة والنميمة ونقل الكلام، والتكلم في أعراض الناس، ولوك سمعتهم، وما تحتويه المجالس من ذكر ذلك كله والتفكه به، حتى أن البعض لا يعجبه إلا ذكر الناس والانخراط في التقول فيهم وإبراز معائبهم وعثراتهم، ولا شغل له سوى ذلك العمل الرذيل والعياذ بالله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» [مسلم]، وبهته من البهتان وهو الافتراء الكذب.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتَّات» [أصحاب السنن]، والقتات هو النمام، شبهه صلى الله عليه وسلم كالذي يقتات على أعراض الناس.
ومن صور السماع المحرم الاستماع لأهل الباطل والشر، والرضا بما يقولون وعدم الاعتراض عليهم، وكذلك الاستماع للسب والشتم واللعن والقذف، وعدم الاكتراث بذلك وكأنه أمر لا يعنيه، وذلك خطأ، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته» [أبو داود وأحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار» [أحمد، والطبراني في الكبير، وأبو يعلي]، إذ الواجب على المسلم إذ سمع من يتكلم على غيره من الناس بسوء؛ ككذب عليه وبهتان أو غيبة له أو نميمة أو.. أو..، يجب عليه أن ينهاهم عن الخوض في ذلك وألا يُقرهم عليه في جلوسه معهم، فإن لم يستمعوا له فعليه أن يعتزل الجلوس معهم.
ومن صور الاستماع المحرم التجسس على الناس والتسمع لما يقولون والتصنت عليهم، وربما وهم لا يرغبون في استماعه لهم.
قال صلى الله عليه وسلم: «... ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة...» [البخاري]؛ والآنك هو الرصاص المذاب.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» [متفق عليه]، فالتجسس من أخبث الطبائع والعادات والعياذ بالله تعالى، وهو دليل على خبث النفس ولؤم الطباع وقلة الحياء، وهو أمر لا يرضاه أحد على نفسه فكيف يرضاه لغيره !.
وعن زيد بن وهب قال: أُتىَ ابن مسعود فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال عبد الله: (إنا قد نُهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) [أبو داود والحاكم والبيهقي، والطبراني في الكبير].
ومن صور الاستماع المحرم الاستماع لأهل الحق والعلم، لا على سبيل التعلم والاستفادة منهم، بل على سبيل عد السقطات والهفوات وتتبع العثرات، ومن ثمَّ رميهم بها والانتقاص من قدرهم والتكلم في حقهم والعياذ بالله، وهذه تعد من أبشع صور السماع المحرم.
واعلم أخي المسلم أن سماع الحرام والباطل والإدمان عليه يميت القلب ويُقسِّيه، ويجعله لا يستشعر الحق ولا يستطيع أن يفرق بينه وبين الباطل، وربما يورث القلب الاشمئزاز من سماع الحق والخير والبر والنصح، ويأنف من ذلك كله، وقد يتطور الأمر فيصبح القلب منكوس الفطرة والعياذ بالله تعالى، وكل ذلك سببه الرضا بسماع الباطل وعدم الاعتراض عليه، إذ الواجب على المسلم إحقاق الحق وإزهاق الباطل متى سمع ذلك.
مختارات