" العبــادة "
" العبــادة "
تعريف العبادة:
إذا عرفت هذا فاعلم: أن معنى توحيد الله: إفراده سبحانه بالربوبية والأسماء والصفات والألوهية.
والعبادة هي: كل ما يُحبه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ومن العبادة إفراد الله سبحانه بالحكم والتشريع.
أنواع العبادة: وهي أنواع كثيرة منها:
الدعاء: وهو سؤال مغفرة الذنوب ودخول الجنة والنجاة من النار وشفاء المريض ورد الغائب وتفريج الكروب وإنزال الغيث والنصر على الأعداء والصلاح ونحو هذا.
فكل هذه المطالب لا تطلب إلا من الله لأنه وحده القادر عليها، فمن طلب من المخلوق شيئًا منها فقد عبده من دون الله، وجعله لله ندًا وشريكًا، لأن الدعاء هو العبادة، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال تعالى: " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " [غافر، الآية: 60] وقال عز وجل: " وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا " [سورة الجن، الآية: 18].
ومنها الذبح: فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله، وعبد غيره، كمن يذبح للقبر أو للجن، قال الله تعالى: " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ " [سورة الأنعام، الآية: 162]. وقال عز وجل: " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " [سورة الكوثر، الآية: 2].
ومنها النذر: فلا ينذر إلا لله فيقال: لله عليَّ نذر أن أتصدق بكذا أو أفعل كذا من الطاعات، ولا يقال لفلان عليَّ أن أتصدق بكذا أو أفعل كذا، لأن النذر عبادة كما بين الله لنا ذلك في كتابه الكريم، وكما بينه رسوله عليه الصلاة والسلام، ومنها الاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والرجاء والتوكل والرغبة والخشوع والخشية والإنابة والخضوع والتوبة: فلا يصح جعل شيء من ذلك لغير الله.
وأما الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق وطلب الحاجة منه فلا تصح إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون حيًا.
الشرط الثاني: أن يكون حاضرًا يسمع أو في حكم الحاضر كمن يخاطب بالهاتف أو يكاتب.
الشرط الثالث: أن يكون قادرًا على ما يطلب منه كالإعانة على حمل المتاع، والإغاثة من السبع، أو من الحرق أو الغرق، ببذل جهده في الإنقاذ، أو بقضاء الحاجة المالية، ونحوها مما يقدر عليه، أو بدعائه ربَّه لأخيه، لأن دعاء المسلم لأخيه مستجاب، أما الميت والغائب فحرام أن يستغاث به أو يستعان به أو يطلب منه شيء: ومن فعل ذلك فقد أشرك بالله، لأن الميت قد انقطع عمله وهو بحاجة إلى دعاء الحي، الذي لم ينقطع عمله، كما أن الميت لا يسمع هذا من الحي، ولو سمع ما استجاب، كما أخبرنا الله بذلك.
وسماع الميت الوارد إذا صح خاص بالسلام عليه، فمن زاد على السلام على الميت والدعاء له فقد تجاوز الحد وابتدع وخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رخص في زيارة القبور للرجال فقط بين أن المقصد منها تذكر الآخرة، والدعاء للأموات من المسلمين فقط. أما النساء: فلا تجوز لهن زيارة القبور لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن ذلك، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج»(رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه).
زيارة القبور: إذا عرفت هذا أيها المسلم. فاعلم: أن زيارة القبور نوعان: شرعية ومحرمة، أما الشرعية: فهي التي لا يسافر من أجلها، ولا يزيد الزائر على السلام على الميت والدعاء له وتذكر الآخرة، كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفعله.
وأما المحرمة فهي نوعان:
النوع الأول: بدعية منكرة وهي التي يسافر من أجلها أيا كان القبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر إليها بقوله في الحديث الصحيح الذي في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى..» ولذلك فإن السفر إلى المدينة إنما ينشأ من أجل زيارة المسجد، فإذا وصل الزائر إلى المسجد وصلى فيه التحية أولاً، سلم على المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، وعلى أهل البقيع والشهداء، لأنه صار بعد وصوله المدينة في حكم الحاضر.
ومن الزيارة البدعية المحرمة:
أول اً: طلب الشفاعة من الميت: ولو كان أفضل الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم وشفاعته حق، نسأل الله أن يشفعه فينا، ولكنها لا تُطَلب منه إلا في حال حياته قبل موته، وبعد بعثته يوم القيامة، أما الآن فإنه ميت بلا شك كما قال تعالى: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ " [سورة الزمر، الآية: 30].
ومن أنكر موته فقد أنكر القرآن، وأما حياته البرزخية فهي أكمل من حياة الشهداء، ولكنها خلاف الحياة قبل الموت، وبعد البعث، فلا يطلب منه شيء ما دام لم يبعث، ولهذا كان الصحابة رضى الله عنهم لا يزيدون على السلام عليه شيئًا.
ثانيًا: التمسح بالقبور والطواف حولها تبركا بها، فكل هذا وما شابهه بدع منكرة، فاعلها آثم مأزور غير مأجور، وكل ما نقل من الأحاديث في جواز ذلك فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك حفاظ الحديث، وأهل التوحيد المحققون.
ثالثًا: البناء على القبور: اعلم أيها المسلم أن من البدع المحرمة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بإزالتها: البناء على القبور وتجصيصها وإلقاء الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، والكتابة عليها، فقد نهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك في عدة أحاديث منها: ما روى مسلم في صحيحه وأهل السنن عن أبي الهياج الأسدي قال بعثني علي رضى الله عنه وقال لي: «أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع قبرًا مشرفًا إلا سويته ولا صورة إلا طمستها».
النوع الثاني من الزيارة المحرمة شركية محضة: فاعلها مشرك شركًا أكبر يخرج من الإسلام، والعياذ بالله، وهو الذي يزور أي قبر كان قبر نبي أو ولي أو غيرهما، لكي يدعوه أو يستغيث به أو يتوسط به عند الله أو يذبح له أو نحو هذا مما يفعله كثير من الجهال الذين يزعمون أنهم مسلمون، ويزعمون أنهم بتلفظهم بالشهادتين قد وحدوا الله، واتبعوا رسوله، والذي ثبت بنص القرآن والسنة المطهرة أن الذي لا يعرف معنى «لا إله إلا الله» ولا يعمل به بإخلاص العبادة لله لا ينفعه التلفظ بها.
* شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم للموحدين:
إذا عرفت هذا أيها المسلم فاعلم أن الذي يحبه الله ورسوله ويحبه أولياء الله المتقون، هو: الذي لا يشرك بالله شيئًا، بل يسلك الطريق الذي سلكه رسل الله وعباده المخلصون الذين عبدوا الله، وقطعوا التعلق بغيره.
فهذا الموحد لله عز وجل هو الذي يشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله، ويأذن الله للشافعين أن يشفعوا له لأنه مات على التوحيد الذي يرضاه الله كما قال تعالى: " مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ " [سورة البقرة، الآية: 255] وقال عز وجل: " وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى " [سورة الأنبياء، الآية: 28].
* الحلف بغير الله شرك به سبحانه:
إذا عرفت أيها المسلم ما تقدم فاعلم أن من الشرك بالله: الحلف بغير الله كمن يحلف بالأمانة أو النبي أو الشرف أو الحياة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». ومعلوم أن الشرك بالله ولو كان أصغر كالحلف بغيره كبيرة عظيمة.
فاحذر من الوقوع في ذلك ثم اعلم أن كل معصية يقع فيها المسلم، وكل انهزام يقع فيه المسلم أمام عدوه فإنما سببه نقص توحيده، فعلينا أن نوحد ربنا حق توحيده، ونؤمن به حق الإيمان، ونتبع رسوله صلى الله عليه وسلم اتباعًا صادقًا بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وعبادة الله بما شرع لأن كل عبادة لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة وضلاله، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: «مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» هذا والله المسئول أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم وأن يدمر اليهود وأعوانهم والشيوعيين وأعوانهم وكل ملحد وطاغوت، والله حسبنا ونعم الوكيل.
مختارات