" الحديقة السادسة : حديقة تربية الأولاد "
" الحديقة السادسة: حديقة تربية الأولاد "
إنها حديقة طريقها طويل وشاق؛ غير أن فيه زينة وجمالاً، وإن مشوارها لمتعب ومرهق، لكن عاقبته طيبة محمودة، الأولاد شجيرات مخضرة إذا سقيتها بماء الخلق، زهور جميلة إذا رعيتها بالتربية، ربوع مشرقة إذا أضأتها بنور الإيمان، فاصبر على طريق تربيتهم، لتحصد منهم ما تقر به عينك، ويسر به خاطرك؛ فلَفلاح أحدهم مرة ينسيك تعبك مرات كثيرة، ولنجاحهم سنة ينسيك سهرك معهم سنوات مديدة، لا تلتفت – يا رعاك الله – إلى شقائك بهم في صغرهم؛ فإنه سيثمر سعادة في كبرهم، تابعهم في دروسهم وصلاحهم وصحتهم، كن معهم بقلبك وقالبك، فإن لم تستطع فبقلبك ودعائك، واعلم أنهم أمانة في عنقك، فلا تفرط فيها: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].
إنها سنوات سقي ورعاية تنبت لك حياة زهر وثمر، سنوات تصبرها، لترى بهجتها تملأ لك بها الدنيا بمقدمهم عليك، وقد أصبح أحدهم مهندسًا بارعًا، أو طبيبًا ماهرًا، أو صانعًا حاذقًا، أو معلمًا ناجحًا، أو داعية موفقًا، وهم مع ذلك كله يلفونك ببرهم، وتسعد بصلاحهم واستقامتهم؛ فأي زينة للدنيا بعد هذه الزينة، إنها حصيلة دعاء عباد الرحمن: " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " [الفرقان: 74].
وسوف تجني من حديقة التربية الصالحة هذه حتى بعد موتك بدعاء أولادك لك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». [رواه مسلم].
ولتذوقن جناها برفعة درجتك في الجنة بإذن ربك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أَنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك» [رواه أحمد وإسناده حسن].
فما أجمل ربوع التربية وظلالها، فثابر فيها بالعمل، فتجتني أجمل الثمر.
مختارات