فقه أحكام الأسماء والصفات (٥)
وأسماء الله وصفاته وأفعاله مطلقة في الكمال والحسن، لا تتناهى ولا تنقطع بآخر، ولا تحد بأول، كعلمه ورحمته وقدرته وسائر صفاته.
فسبحان الملك الحق، ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)} [الجاثية: ٣٦، ٣٧].
وكيفية الشيء لا تدرك إلا بمشاهدته.. أو مشاهدة نظيره.. أو خبر الصادق عنه.
فالله أخبرنا أنه استوى على العرش، ولم يخبرنا كيف استوى، وأخبرنا أنه ينزل إلى السماء الدنيا، ولم يخبرنا كيف ينزل، وأخبرنا أنه يجيء يوم القيامة لفصل القضاء، ولم يخبرنا كيف يجيء، وأسماء الله وصفاته ثابتة ومعلومة، ولها كيفية، ولكننا لا نعلم كيفيتها، فما من موجود إلا وله كيفية، وكما لا نعلم ذاته سبحانه، فكذلك لا نعلم كيفية صفاته.
فيجب الحذر من القول على الله بلا علم كما قال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} [الإسراء: ٣٦].
وما يجري صفةً أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسام:
أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات كقولنا: ذات وموجود وشيء.
الثاني: ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم والقدير والسميع.
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله سبحانه نحو الخالق والرازق.
الرابع: ما يرجع إلى التنزيه المحض، ولا بد من تضمنه ثبوتاً كالقدوس والسلام.
الخامس: الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة نحو المجيد، والعظيم والصمد والرب، فهذه الأسماء تدل على من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال.
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين أو الوصفين بالآخر، وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميد، أو العزيز الحكيم، أو العفو الغفور ونحو ذلك.
فالغنى صفة كمال، والحمد صفة كمال، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله سبحانه ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما، وهكذا في باقي الأسماء.
ولا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيداً، أن يشتق له منه اسم مطلق كما ورد في القرآن لفظ (يضل ويمكر وفتنا) ونحوها.
فهذه أفعال مخصوصة لا يجوز أن يطلق منها أسماء على الرب كالمضل والماكر والفاتن، فأسماء الله توقيفية وصفاته كذلك.
أما الاسم إذا أطلق عليه كالسميع والبصير، فيجوز أن يشتق منه المصدر كالسمع والبصر، والفعل نحو سمع، ويسمع.
وأفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم.
فالرب سبحانه وتعالى فعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتقت الأسماء للمخلوق بعد أن كمل بالفعل.
أما الرب فهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، ولم يزل كاملاً، فحصلت أفعاله عن كماله، لأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته.
فأفعاله كلها صادرة عن كماله، كمل سبحانه ففعل كل شيء، والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به.
وما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته كالشيء والموجود والقائم، فإنه يخبر به عنه، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العلا.
مختارات