مُدَّعِي المعرفة
قابلت في حياتي شخصيات متنوعة الأنماط والبيئات، فليس من أصعبهم على نفسي الخجول ولا الانطوائي ولا حتى العصبي، حتى الذين لديهم بعض النرجسية أو الاكتئاب ممكن أتعامل معهم بشكل أو بآخر، ولكن أكثر من يزعجني في الحقيقة هو الشخص الذي يدّعي المعرفة!
وقد رأيت في حياتي من لديه هذه المعضلة الكبيرة، وأمثال هؤلاء يوجدون في الأماكن المغلقة أكثر والبيئات التي ليس لديها معرفة مناسبة، ويجمعون حولهم أنصاف المثقفين حتى يظهرون بأنهم يعيشون في مجتمعات علمية أو مرتفعة الثقافة!!
لذلك يصول أمثال هؤلاء ويجولون في هذه البيئات، فمثلا الريف قبل ظهور النت وأيضا المعتقلات السياسية ينتشر فيها مثل هذا النوع، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
ولقد رأيت بعيني أشخاصاً من هؤلاء يفرض أتباع كل واحد منهم حوله هالة من التضخيم والتعظيم عن مدى ثقافته وعلمه وتقدمه في تخصصه وحفظه وبراعته… الخ الخ.
وكانت من الصفات الأساسبة لهؤلاء الأشخاص "وعموماً أي مدعٍ للعلم" أنه يجيب على كل الأسئلة، فمصطلح "لا أدري" صعب أن تجده عند هؤلاء، ولديه مخرج من كل زنقة "طبعاً بالكذب أو استغفال من حوله" وأيضاً يحب الاعتراض على غيره من باب الاعتراض، ولازم يبدى رأيه في كل موضوع وكمان بيحب قوي إن يكون رأيه خارج الصندوق لكي يظل بعيداً عن مستويات الآخرين، فهو في سماء العلم وهم دونه بكثير!!
فإذا ابتليت بأمثال هؤلاء في حياتك فحاول أن تقلل من الحديث معهم، لأن سموم الإدعاء تقتل فيك موهبة الاستماع حتى تكره أنك تستطيع سماع الآخرين أكثر من الكلام!
ولنفترض أن أحد أفراد أسرتك من هؤلاء، أو زميلك أو مديرك في العمل، أو أحد أصهارك، ومضطر للتعامل معه فاجتهد أن تمدحه عند الإجابات الصحيحة فقط حتى يشعر ببعض التقدير منك، وعندما تسأله اجعل سؤالك مغلقاً، أي لا يحتمل إلا إجابة واحدة، ولا تتناقش مع كثيراً كن مختصراً ومتعجلاً حتى لا تُصاب بسمومه، ولا تجعله ينفرد بك في اللقاءات العائلية ولا غيرها، لأن كل همه أن يفرد عضلاته عليك وأن تقتنع بوجهة نظره دون أي تشكيك فيها!!
وما دفعني لكتابة هذا الآن أن بسبب انتشار المادية بيننا، وضعف معاني القناعة بالأرزاق سواء العقلية أو المالية أو المجتمعية، فإن بعض الناس نظراً للنقص النفسي والمرض القلبي يحاول تعويض ذلك بالزور والخداع والمراوغة وبأشكال شتى، حتى يعوّض النقص والذي يظن أنه بدون اكتمال هذه الصفات فيه، فإن الناس سينصرفون عنه ولن يهتموا به، ولذا يجتهد جداً أن يظل في الصورة ولكن على حساب الصحة النفسية للآخرين!
وقد كَثُرَ هؤلاء بشكل مزعج الآن، فوجب التنبيه ولزمني البيان.
فهناك من مصاحبته دواء وهناك من مصاحبته سموم وداء!
مختارات