" قتيل العفة "
" قتيل العفة "
وأحيانا يغلب العفيف على أمره، فتصرعه الشهوة، وتصيب من نفسه، حتى يكون قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في الفاحشة،ولكن سرعان ما يحفظه الله جل وعلا لحكمة يريدها، فيذكر العفيف عفافه، وينتابه الخوف من الله، فيرجع مستغفرا، وربما أودى به عمله على الموت خوفا ورهبة.
فلقد روي أن في بني إسرائيل كانت امرأة بغي، وكانت مفتنة للناس بجمالها، وكان باب دارها أبدا مفتوحا، فكل من مر ببابها رآها قاعدة في دارها على السرير بحذاء الباب، فكل من نظر إليها فافتتن بها، فإذا أراد الدخول، احتاج إلى إحضار عشرة دنانير، أو أقل، أو أكثر حتى تأذن له بالدخول إليها.
فمر ببابها ذات يوم عابد من العباد، فوقع بصره في الدار، وهي قاعدة على السرير فافتتن بها، فجعل يجاهد نفسه، ويدعو الله تعالى ليزيل ذلك من قلبه، فلم يزل ذلك عنه وكان يكابد بنفسه المكابدة الشديدة، حتى باع قماشا كان له، وجمع من الدنانير ما يحتاج إليه فجاء إلى بابها، وأمرت أن يسلم ذلك إلى وكيل لها، وواعدته وقتا لمجيئه، فجاء إليها في ذلك الوقت، وقد تزينت، وجلست في بيتها على سريرها، فدخل عليها العابد، وجلس معها على السرير، فلما مد يده إليها، وانبسط إليها تداركه الله برحمته، وبركة عبادته المتقدمة فوقع في قلبه أن الله تعالى يراني في هذه الحالة، فوق عرشه، وأنا في الحرام، وقد أحبط عملي كله،...فوقعت الهيبة في قلبه، وارتعدت فرائصه، وتغير لونه، فنظرت المرأة إليه، فرأته متغير اللون فقال: أي شيء أصابك؟قال: إني أخاف ربي، فأذني لي بالخروج، فقالت له: ويحك إن كثيرا من الناس يتمنون الذي وجدته، فأي شيء هذا الذي أنت فيه، فقال لها: إني أخاف الله. وإن المال الذي دفعته إليك هو حلال لك، فأذني لي بالخروج، فقالت له: كأنك لم تعمل هذا العمل قط؟ قال: لا، فقالت: من أين أنت؟ وما اسمك؟ فأخبرها أنه من قرية كذا، واسمه كذا، فقالت: اخرج، فخرج من عندها، وهو يدعو بالويل والثبور، ويبكي على نفسه، ويحثو التراب على رأسه، فوقعت الهيبة في قلب المرأة، فقالت في نفسها: إن هذا الرجل أول ذنب أذنبه وقد دخل عليه من الخوف ما دخل، وإني قد أذنبت منذ كذا وكذا سنة، وإن ربه الذي يخاف منه هو ربي، فخوفي منه ينبغي أن يكون أشد.
فتابت إلى الله، وأغلقت بابها عن الناس، وأقبلت على العبادة، وكانت في عبادتها ما شاء الله، فقالت في نفسها: لو أني انتهيت إلى ذلك الرجل، فلعله يتزوجني فأكون عنده، فأتعلم منه أمر ديني، ويكون عونا على عبادة الله تعالى، فتجهزت وحملت معها من الأموال والخدم ما شاء الله، فانتهت إلى تلك القرية، وسألت عنه، فأخبر العابد أن امرأة تسأل عنه، فخرج إليها، فلما رأته المرأة كشفت عن وجهها ليعرفها، فلما رآها عرف وجهها، وتذكر الأمر الذي كان بينه وبينها فصاح صحية وخرجت روحه رحمه الله تعالى(تنبيه الغافلين للفقيه نصر السمرقندي).
لقد بلغ الإيمان بهذا الرجل الصالح، أن صرعه خوفه من الله، واشتد عليه أن يتذكر ذنبا كان قد قضاه، فمات عفيفا طاهرا، فطوبى له قتلته عفته !.
مختارات