" عفة عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه "
" عفة عثمان بن أبي طلحة رضي الله عنه "
تروي أم سلمة رضي الله عنها قصة هجرتها فتقول:
... ففرقوا بيني وبين زوجي، إذ واصل هو سيره على المدينة، وبين وبين ولدي إذ أخذه رهط زوجي، فكنت أخرج كل غداة إلى الأبطح فأجلس أبكين حتى مر بي رجل من بني عمتي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها، و بين ولدها.
قال: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، قالت ورد بنوا عبد الأسد إلي غلام ذلك ابني، فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله.
فقلت: أبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين بنت أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أوما معك أحد؟ قلت: لا ولله، إلا الله وبني هذا.
قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير، فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم تأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى عنى إلى شجرة أخرى، فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري، فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، وقال:اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري أبى وأخذ بخطامه فقاده، حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة نازلا بها- فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعا إلى مكة، وهو يومئذ على الشرك، وما أسلم إلا في هدنة الحديبية، والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط أكرم من عثمان بن طلحة.
قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه المولى: حقا ما قالته: ما أعلم أهل بيت أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة هذه واحدة، وأخرى في كمال عثمان بن طلحة الذي يضرب الرقم القياسي في الكرم النفسي، إنه يجد امرأة على بعيرها تريد السفر مسافة عشرة أيام في صحراء لا خضراء فيه ولا ماء، فيقول وقد سألها عن حالها: والله مالك من مترك ويقود بعيرها، ويحسن إليها في ركوبها ونزولها، ويريها من العفة والكرم ما لم تره امرأة مثلها قط.
آه !! أين هؤلاء الرجال الأعفاء الكرماء ذوو النجدة؟ لقد أقفرت منهم الحياة، وأجدبت منهم ساحة الوجود، ولا خير في دنيا يفقد فيها أمثال هؤلاء (انظر هذا الحبيب يا محب لأبي بكر الجزائري).
مختارات