" الاستغفار خصوصية للمؤمنين "
" الاستغفار خصوصية للمؤمنين "
حين كان إبراهيم - عليه السلام - يحاجّ أباه ويدعوه إلى التوحيد، كان والده يقابله بِأسوأ المقابلة، تأمل هذه المقولة منه: " لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا " (سورة مريم، الآية: 46 )، ولاحظ أن هذه المقولة جاءت بعد مجموعة من العبارات المتلطفة من قبل إبراهيم- عليه السلام، وكان إبراهيم –عليه السلام- حين واجهه أبوه بهذه المقولة " لَأَرْجُمَنَّكَ " لم يقابله بالإساءة أو نحوها؛ بل أول ما خطر في ذهنه أن يستغفر له: " قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " (سورة مريم، الآية: 47 ).
إذن فالاستغفار هو أول شيء فكر به إبراهيم - عليه السلام - وكان هذا الاستغفار طمعاً في هدايته، ولذلك قال تعالى: " وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ " (سورة التوبة، الآية: 14 ).
ومحصل ذلك عدم الاستغفار للمشركين، وأنه خصوصية للمؤمنين، ويؤكد ذلك قوله تعالى: " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " (سورة التوبة، الآية: 113 ) فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استأذنت ربي أن استغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزورها فأذن لي " (صحيح مسلم).
وفي البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال: " أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله "، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به: " أنا على ملة عبد المطلب "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لاستغفرن لك ما لم أنه عنك " فنزلت " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " (سورة التوبة، الآية: 113 ) ونزلت: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " (سورة القصص، الآية: 56 ) (صحيح البخاري ).
وعند الحديث عن المنافقين، نقرأ هذه الآية: " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " (سورة التوبة، الآية: 80 ).
ونقرأ عندها أيضا حديث ابن عمر-رضي الله عنه- في البخاري- حيث يقول: إن عبد الله بن أُبّي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، فقال: " آذني لأصلي عليه "، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر –رضي الله عنه- فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين، فقال: أنا بين خيرتين، قال: " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " فصلى عليه، فنزلت " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ " (سورة التوبة، الآية: 84 ) وتأسيساً على ذلك يقال: إن الاستغفار ميزة جعلها الله للمؤمنين خصهم بها دون غيرهم من الناس، واختارهم لها، واختارها لهم، وإذا كان الأمر كذلك، أفلا يجدر بنا أن نحافظ على هذه النعمة، وأن نستثمرها فيما يفيد ديننا ودنيانا، وفي مقابل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لإخوانه المؤمنين، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، فقال: " استغفروا لأخيكم " (البخاري).
واستغفر للمحلقين ثلاثا،ً وللمقصرين مرة، والنصوص في ذلك كثيرة.
حتى الصغار!! نعم الصغار كان يستغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي إياس في المسند، قال: جاء أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام صغير، فمسح رأسه واستغفر له(سنن الإمام أحمد).
مختارات