" المقـدمـة "
" المقـدمـة "
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...فقد قال الله تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " [الإسراء: 23، 24].
يطالب كثير من الناس اليوم بحقوق المرأة... من المرأة التي يطالبون بحقوقها؟... إنها المرأة الشابة الصغيرة التي تريد الخروج والعمل بجانب الرجال... يطالبون بحريتها في اللباس والسلوك وسائر شؤونها... ولهم في ذلك مقاصد يعلمها من سبر أغوارهم واطلع على أخلاقهم وطرقهم في الحياة.
ولكن... لا نجد أحدًا من هؤلاء يطالب بحقوق الأمهات... حقوق ربات البيوت اللواتي تفرغن لرعاية أبنائهم... فكان جزاؤهن العقوق ونكران الجميل... فأين حقوق هؤلاء الأمهات؟... أين حقوق الآباء؟... ألا يدافع أحد عن هؤلاء؟ ألا يمسح أحد دموعهم؟ أليس هؤلاء أحق بمناقشة قضاياهم؟ أليست هؤلاء الأمهات نساء يتعرضن للتحقير والجحود من قبل أبنائهن؟ أليس عقوق الوالدين من الإفساد في الأرض؟ أم أن ثقافة العولمة في محاربتها لمفهوم الأسرة المترابطة غضت الطرف عن كثير من الانتهاكات في حق الآباء والأمهات؟ " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ " [محمد: 22، 23] قال بعض العلماء: «لو لم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه حرمة الوالدين، ولم يوص بهما، لكان يعرف من طريق العقل أن حرمتهما واجبة، وكان الواجب على العاقل أن يعرف حقهما... فكيف وقد ذكر الله سبحانه في جميع كتبه حقهما، وأوحى إلى جميع أنبيائه ورسله، وأوصاهم بحرمتهما ومعرفة حقهما، وجعل رضاه في رضاهما، وسخطه في سخطهما، واستجاب دعاءهما في الولد؛ لعظم حرمتهما وحقهما عليه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن] حتى لو كان الولد طائعًا لله وهو عاصٍ لهما، عوقب بعصيانه لهما، ولو كان في صلاة تطوع وناداه أحد والديه، وجب عليه قطع صلاته وإجابتهما مسرعًا خشية من سخطهما عليه» (تذكرة أولي البصائر لابن الجوزي ص(84).
مختارات