الاصطفاء والمن والرحمة…
ابتعث الله سبحانه وبحمده خيرتَه من خلقه سيدنا أبا القاسم محمدًا ﷺ، وجعله بذاته برهانًا على الحق، ونورًا هاديًا إلى حظيرة القدس، وبحبوحة الجنة وحضرة الحق.
وقد اصطفاه الله تعالى رحمة للعالمين ومنَّ عليهم به، بأبي هو وأمي ﷺ، واصطفى له أصحابه رضي الله عنهم.
ومن فقه معنى "الاصطفاء والمنِّ والرحمة"=علم أنه لا يتم اصطفاء، ولا مَنٌّ ولا رحمةٌ، وفيه ما يناقض أصل رسالته، وسر عبوديته.
بل يكون كل ما يكون منه، وما يكون فيه= سبيلًا موصلا إلى رب العالمين، توحيدا خالصًا، وقيامًا بالعبودية، وخضوعا للربوبية.
وكذلك اصطفى له ﷺ أصحابه، ولا يتم اصطفاء وفي نفوسهم حرجٌ من الإيمان به عبدًا نبيًّا رسولا ﷺ.
وقد كانوا إذا عرض للواحد منهم اجتهاد صارفٌ عن هديه، فسُدِّد بهدايته ﷺ =رجع فكان أحبَّ شيء إليه متابعةُ النبي ﷺ والخلوصُ من حظ نفسه.
وهذا مُشاهد في كل حالهم معه ﷺ، ومن ذلك خبر الثلاثة الذين تقالُّوا عبادته ﷺ وعزموا على ما عزموا عليه، فكان منه ﷺ ما كان من زجرهم وردِّهم إلى فلق الهداية والرشاد، فآبوا إلى ربيع متابعته حبا وإذعانًا، وأماطوا عنهم هجير مخالفته!
وكانوا على الغاية في تعظيمه و إجلاله ﷺ، وما قال عاقلٌ إن تعظيم الشرع وتمام المحبة يكونان باستثقال التحقق بالغاية من رسالته ﷺ تعظيما لله، وإفرادا له تعالى بالإلهية.
إلا وإن تعظيم سيدنا المقدم والخليل المعظم، ﷺ، بالتسليم له أنه كان مؤتمنا على دين رب العالمين، والذي فيه أنه هو عبدالله ورسوله ﷺ، ليس له شِركةٌ في الألوهة والربوبية، ولا يُصرف شيء من العبادة سجودًا وركوعا وما هو خالص لله تعالى، لأحد قط.
وكان كثيرَ اللهج بقوله ﷺ: إنما أنا عبد!
هذا هو الذي تقر به عينه بأبي هو وأمي ﷺ، وهذا هو معيار كمال حبه وجمال تعظيمه ﷺ.
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ (٧٩)
مختارات