" هديتي لك ... ابنتي "
" هديتي لك... ابنتي "
عندما سمع «أبو وضحى» أن صديقه الذي لم يتجاوز الخامسة والستين من عمره يخطب، أسرع إليه قائلاً: ابنتي جاءتك هدية ما من وراءها جزية، وكانت هذه الكلمة عقد مبرم، فالرجل كلمة ولا يمكنه الرجوع بها حتى يرجع اللبن إلى الضرع، حتى بعد أن علم أن صديقه لديه ثلاث زوجات، وعشرون ولدًا ونيفًا!! وتمت الصفقة بين الأب والعريس على أن يقدم للأب مزرعة صغيرة، وللأم مائة ألف ريال، وللأخ سيارة صغيرة تصلح للتفحيط والإزعاج، ولن يكون هذا شيئًا إلى جانب العروس التي لم تكمل الرابعة عشرة... وعندما زفَّ «أبو وضحى» النبأ لزوجته أم العروس جن جنونها، وأثارت في قلبه عواصف الشفقة والرحمة أمام ما يقوم به من صفقة، لكن المائة ألف التي سمعت بها جعلتها تصاب بالتأتاة، ثم تعجز عن الكلام، وفاتح ابنه في الموضوع فاستلم الولد راية العصيان، ولكن جذبة واحدة من والده، وخبر السيارة أنساه أخته والمجهول الذي تسير إليه. أما «أم وضحى» فلم تفعل أكثر من الصراخ والعويل والاعتكاف في غرفتها، لا يملأ عينيها ذهب، ولا حرير، ولا وعود براقة كالسراب.
وتزوجت الصغيرة وحاولت أن تتأقلم مع الحياة الجديدة وبين الزوجات والأولاد، لكنها لم تستطع حتى أن تعيش مع زوجها التي صارت له ممرضة ماهرة في خلال شهر أمضته بين تمريض، وبكاء، وندم، وحسرة، وزاد الطين بلة أنها تزوجت لبلد ولوطن غير وطنها، فزادت غربة الوطن، والغربة مع الزوج، والغربة مع معسكر الزوجات والأولاد، وقررت أمرًا، فتحت «أم وضحى» الباب لتجد نفسها وجهًا لوجه أمام ابنتها التي رثى لحالها الجيران، فساعدوها في الوصول إلى وطنها، هوت الأم إلى الأرض من الصدمة، وأسرع الأب فجمد في مكانه، ثم صحا من جموده، واستلم العقال يؤدب ابنته على تركها زوجها، وضياع المزرعة، والسيارة، والمائة ألف ريال.
وكانت هدية فصارت بلية، إلى أن يحصل على صفقة أخرى، ومسحت دمعة وابتلعت غصة.(قطار الزواج والطلاق، رجاء أبو صالح).
مختارات