الموعظة الخامسة عشرة
الموعظة الخامسة عشرة
قال إبراهيم بن أدهم: «ليس من علامة الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك، ذم مولانا الدنيا فمدحناها !!، وأبغضها فأحببناها !! وزهَّدنا فيها فآثرناها !!.
أيها الناس: وعدكم الله خراب الدنيا فحصنتموها، ونهاكم عن طلبها فطلبتموها، وأنذركم الكنوز فكنزتموها، دعتكم إلى هذه الغرارة (أي الدنيا) دواعيها، فأجبتم مسرعين مناديها، خدعتكم بغرورها ومنتكم فانقدتم خاضعين لأمانيها، تتمرغون في زهراتها وزخارفها، وتنتغمون في لذاتها، وتتقلبون في شهواتها، وتنبشون مخالف الحرص عن خزائنها، وتحقرون بمعاول الطمع في معادنها»(كتاب البداية والنهاية – لابن كثير -).
بينما كان العبد الصالح محمد بن المنكدر رحمه الله ذات ليلة قائمًا يصلي من الليل إذ استبكى وكثر بكاؤه، حتى فزع أهله وسألوه: ما الذي أبكاك؟ !! فاستعجم عليهم، واستمر يبكي ولا يقوى على الكلام، فأرسلوا إلى صاحبه العبد الصالح أبي حازم رحمه الله فأخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي فقال له: يا أخي ما الذي أبكاك؟ قد أفزعت أهلك ! فقال: إنني مررت بآية في كتاب الله عز وجل فبكيت، قال: ما هي؟ فقال: قول الله تعالى: " وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " [الزمر: 47]، فبكى أبو حازم أيضًا معه واشتد بكاؤهما !! فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتخفف عنه فزدته !! وما زال ابن المنكدر جزعًا من هذه الآية، ولا سيما إذا تذكر الموت، فقيل له: ولم تجزع؟! فقال: أخشى آية من كتاب الله عز وجل: " وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب (كتاب حلية الأولياء – لأبي نعيم -).
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب
لهونا عن الأيام حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب
أقولُ إذ ضاقت علي مذاهبي وحلت بقلبي للهموم ندوب
لطول جنايتي وعظم خطيئتي هلكت وما لي في المتاب
وأغرق في بحر المخافة آيسًا وترجع نفسي تارة فتتوب
تُذكرني عفو الكريم عن فأحيا وأرجو عفوه فأُنيب
وأخضع في قولي وأرغب عسى كاشف البلوى عليَّ
مختارات