الموعظة الرابعة عشرة
الموعظة الرابعة عشرة
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لبٍّ فيها فرحًا !! رحم الله رجلاً لم يغره ما يرى من كثرة الناس (أي حوله)، يا بن آدم تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك، وما أكثر عبد ذكر الموت إلا رؤي ذلك في عمله، ولا أطال عبد الأمل، إلا أساء العمل !!.
حقيق على من عرف أن الموت مورده والقيامة موعده، والوقوف بين يدي الجبار مشهده أن تطول في الدنيا حسرته، وفي العمل الصالح رغبته (كتاب الزهد – للحسن البصري -).
وقال الأستاذ مصطفى السباعي رحمه الله تعالى: «من تعلق قلبه بالدنيا، لم يجد لذة الخلوة بالله تعالى».
ومن تعلق قلبه باللهو، لم يجد لذة الأنس بكلام الله تعالى.
ومن تعلق قلبه بالجاه، لم يجد لذة التواضع بين يدي الله تعالى».
ومن كثرت منه الآمال، لم يجد في نفسه شوقًا إلى الجنة (كتاب هكذا علمتني الحياة – للسباعي -).
أخي: أين المعترف بما جناه؟ !! أين المعتذر إلى ربه ومولاه؟ أين التائب من خطاياه؟ أين الآيب من سفر هواه؟ فإن نيران الاعتراق تأكل خطايا الاقتراف !! ومجانيق الزفرات تهدم حصون السيئات، ومياه الحسرات تغسل أنجاس المعاصي الخطيئات !!
يا حاملاً من الدنيا أثقالاً ثقالاً، يا مطمئنًا لابد أن تنتقل انتقالاً، يا مرسلاً عنان لهواه في ميدان زهوه إرسالاً!! كأنك بجفنيك حين عرض الكتاب عليك وقد سالا، وعاينت من الأهوال كروبًا عظامًا، وأطلقت الزفرات حسرةً وندامى، فحتى متى لا ترعوي وإلام (كتاب التبصرة – لابن الجوزي -)؟!.
حتى متى؟،إلى متى نتوانى؟ وأظن هذا كله نسيانا
والموت يطلبنا حثيثًا مسرعًا إن لم يزرنا بكرةً عشانا
إنا لنوعظ بكرةً وعشيةً وكأنما يعنى بذاك سوانا
غلب اليقين على التشكك في حتى كأني قد أراه عيانا
يا من يصير غدًا إلى دار البلى ويفارق الإخوان والخلانا
إن الأماكن في المعاد عزيزة فاختر لنفسك إن عقلت ( ديوان أبي العتاهية)
وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: «لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس إنكم لداخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا لخفت أن أكون أنا هو !! ولو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس إنكم داخلون النار كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا لرجوت أن أكون أنا هو (كتاب حلية الأولياء – لأبي نعيم -) !!» فرضي الله عنه وأرضاه ؛ فهو بين الخوف والرجاء.
فيا أخي:
اجعل شعارك حيثما كنت قد فاز من جعل التقى
واسلك طريق الحق إخلاص قلبك حارسًا أسراره
وإذا أردت القُرب مِنْ خير يوم القيامة فاتبع آثاره (كتاب الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي).
مختارات