فضائل أرض مصر
فضائل أرض مصر:
حدود مصر من النوبة جنوباً إلى رفح العريش، ومن برقة -ليبيا- شرقاً إلى أيلة غرباً -أي أيلات التي هي اليوم على خليج العقبة بيد إخوان القردة.
وإن لأرض مصر فضائل كثيرة، فمنها أن فيها الوادي المقدس طوى والجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى، عليه الصلاة والسلام.
- وفيها الجبل الذي تجلى الله -تعالى- له فانهد وصار دكاً.
- وهي المبوأ الصدق الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق)، قال القرطبي في تفسير المبوأ الصدق: أي منـزل صدق محمود مختار، يعني مصر، وقال الضحاك: هي مصر والشام.
- وفي أرضها يجري نهر النيل المبارك الذي ينبع أصله من الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم وأحمد: " النيل وسيحان وجيجان والفرات من أنهار الجنة ".
- وفي مصر الربوة التي أوى إليها عيسى بن مريم وأمه على أحد أربعة أقوال للسلف، فقد قال ابن وهب وابن زيد وابن السائب أن مكان الربوة المذكورة في قوله تعالى: (وءاوينـهما إلى ربوة ذات قرار و معين) أنها في مصر.
وعلى أرضها ضرب موسى البحر بعصاه فظهرت المعجزة العظيمة والحادثة الفريدة في تاريخ البشرية.
- وقال تعالى قاصاً كلام آل فرعون: (وابعث في المدائن حشرين) وهذا يدل على كثرة المدن في مصر آنذاك.
- وقال عمرو بن العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة "، فجعل كل بلاد الإسلام في كفة ومصر في كفة أخرى.
وقال سعيد بن هلال: إن مصر مصورة في كتب الأوائل وقد مدت إليها سائر المدن يدها تستطعمها، وذلك لأن خيراتها كانت تفيض على تلك البلاد، وقد ذكر سعيد أن مصر أم البلاد وغوث العباد.
وقال الجاحظ: إن أهلها يستغنون عن كل بلد حتى لو ضُرب بينها وبين بلاد الدنيا سور لغنيَ أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.
ولقد كانت أرض مصر على خلاف ما هي عليه اليوم، فهذا المأمون لما جاء مصر وجلس تحت قبة الهواء وأقبل عليه عظماء المصريين فقال قبح الله فرعون إذ قال: (أليس لي ملك مصر) فلو رأى العراق.
فقال له سعيد بن عُفير القاضي المصري الكبير: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين إن ما ترى هو بقية ما دُمر فقد قال تعالى: (ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه) فلم يجد المأمون كلاماً يقوله بعد هذه الإجابة الذكية.
وفي رواية أنه قال له: فما ظنك بشيء دمره الله هذه بقيته، فقال: ما قصرت يا سعيد.
قال سعيد: ثم قلت: يا أمير المؤمنين: لقد بلغنا أنه لم تكن أرض أعظم من مصر، وجميع الأرض يحتاجون إليها، وكانت الأنهار بقناطر وجسور بتقدير، حتى إن الماء يجري تحت منازلهم وأفنيتهم يحبسونه متى شاؤوا، ويرسلونه متى شاؤوا، وكانت البساتين بحافتي النيل من أوله إلى آخره ما بين أسوان إلى رشيد لا تنقطع، ولقد كانت المرأة تخرج حاسرة ولا تحتاج إلى خمار لكثرة الشجر، ولقد كانت المرأة تضع المِكتل على رأسها فيمتلئ مما يسقط به من الشجر، إلى أن قال: وكانت جباية مصر تسعين ألف ألف دينار -أي تسعين مليون دينار، وهو مبلغ هائل جداً بمقاييس تلك الأيام-.
ويدلنا على أن أرض مصر لم تكن كما هي اليوم أن المؤرخين أكثروا من ذكر مصر وفضائلها وجودة أرضها، ولولا أن أولئك المؤرخين ذكروا أموراً لا تعرف -اليوم - أكثرها، وبعضها غير صحيح، أو كان صحيحاً بمعارف زمانهم ثم ثبت غيره، لولا ذلك لأوردت كلامهم فإنه عجيب، ويرجع من أراد معرفة ذلك إلى كتاب " حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة " للحافظ جلال الدين السيوطي فيما نقله عن الكندي، وابن فضل الله، والتيفاشي وابن زولاق وجماعة كثيرين غير هؤلاء.
وقد مُسحت أرض مصر أيام ولاية هشام بن عبدالملك فوجدوا أن ما يصله الماء منها مائة مليون فدان، ومسح أحمد بن المدبر أرض مصر زمن ولايته فوجد أن ما يصلح منها للزرع 24 مليون فدان سوى ما تلف أو غلبت عليه الصحراء، وما أحسن ما أورده ابن ظهيرة -رحمه الله تعالى- في أرض مصر فقد قال: " غيطان مصر -أي بساتينها- وهي عظيمة كثيرة، ومناظرها عالية، ومياهها جارية غزيرة، فيها كثير من الأشجار النضرة، والأزهار العطرة والرياحين، والفواكه الكثيرة من غالب الثمار، وهي كثيرة جداً، لا قيمة لها بمصر، ولقد أخبرني المولى سيدي عبدالعزيز بن يعقوب بن المتوكل على الله أمير المؤمنين العباسي أنه أكل بقرى البحيرة فاكهة أطيب من فاكهة الشام، منها عنب زنة كل عنقود خمسة أرطال، أحلى من العسل المذاب، وأنعم من السَّلَى [1] لا يحتمل مس الأيدي، وأكل بطيخاً، يشبه الصيفي في شكله: غير أن داخله مرمل، أحلى من الشهد، وأكل بمريوط تيناً أسود صغيراً أحلى من العسل، وأشياء غير ذلك ".
وقد قال ابن ظهيرة يمدح القاهرة وعظم مساحتها، وذلك في القرن التاسع الهجري فقال: " عظم مدينة القاهرة الآن وكثرة خلقها وأبنيتها من أسواق وشوارع وربوع وغيرها، وبيوت وجوامع ومدارس، فمن المعلوم المقطوع به بالحس، فلا حاجة إلى المفاضلة فيه، لأنه من خواص هذا البلد السعيد، ولقد تواترت الأخبار وأجمع المسافرون والسائحون في بلاد الله تعالى الشاسعة، وأرضه الواسعة أنه ليس في الدنيا تحت السماء من مشرقها إلى مغربها مدينة أعمر بكثرة الخلق منها، لا يكاد ينقطع الزحام بشوارعها العظيمة، وهي ضيقة لكثرة الناس والدواب حتى إلى الليل، وبعد العشاء بكثير، ولا تشق فيهم إلا بالكتف، ومن لم يكن متيقظاً يداس بسرعة، وهي وإن كان ثم مدن بالمشرق والمغرب أكثر منها مساحة ولكنها قليلة الناس، عديمة الإيناس، وأنا أقول: إن هذه ليست بمدينة واحدة، بل مدن مجتمعة، إذ في كل شارع وخط ومحلة منها بيوت ودروب وأسواق وجوامع ومدارس تصلح أن تفرد بمدينة واحدة، بل في كل ربع من ربوعها ما يعمر بهم قرية ".
- وفي مصر رباط الإسكندرية الذي لا يدري إلا الله تعالى كم سكنه ورابط فيه من العلماء والعباد والزهاد والأبطال والشجعان والأولياء والصالحين العاملين، وهذا الإمام الكبير أبو الزناد الأعرج عبدالرحمن بن هرمز القرشي صاحب أبي هريرة والملازم له، المتوفى سنة 117 يقول: " خير سواحلكم رباطاً الإسكندرية ".
وقال سفيان بن عيينة الهلالي المحدث المشهور (ت 198) لإمام المصريين أحمد بن صالح: يا مصري: أين تسكن؟! قال: الفسطاط قال: أتأتي الإسكندرية؟ قال: نعم قال: تلك كنانة الله يجعل فيها خير سهامه.
- وفي مصر جامع عمرو بن العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول جامع بني في قارة افريقيا، وقد ضبط قبلته جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم قُدروا بثمانين رجلاً.
وفي مصر جامع الأزهر الذي له الفضل المشهور، ولشيوخه مواقف كثيرة جداً في نصرة الإسلام وأهله، وهو اليوم بعد الثورة يُرجى له أن يعود منارة شامخة كما كان، إن شاء الله تعالى، وقد قال ابن ظهيرة -رحمه الله تعالى- في الجامع الأزهر: " فليس في الدنيا الآن، فيما أعلم، له نظير ولا ينقطع ذكر الله تعالى عنه طرفة عين في ليل ولا نهار، وفيه أروقة لأصناف من الخلق منقطعين لعبادة الله -تعالى- والاشتغال بالعلوم وتلاوة القرآن، لا يفترون ساعة ".
مختارات