فضل الحياء
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلى آله وصحبه وسلَّم. وبعد:
الحياء خلقٌ رفيعٌ يمنع الإنسان عن الاتصاف بالأخلاق السَّيِّئة، والأقوال الفاحشة، والأفعال القبيحة.
الحياء هو أساسُ مكارم الأخلاق، ومنبعُ كلِّ فضيلةٍ؛ لأنَّه يترتَّب عليه القول الطَّيِّب، والفعل الحسن.
الحياء دليلُ الدِّين الصَّحيح، وسمة الصَّلاح الشَّامل، وعنوان الفلاح الكامل.
- تعريف الحياء:
خلقٌ يكفُّ العبد عن ارتكاب القبائح والرَّذائل، ويحثُّه على فعل الجميل، ويمنعه من التَّقصير في حقِّ صاحب الحقِّ، وهو من أعلى مواهب الله للعبد.
- فضائل الحياء
أوَّلًا: الحياء مفتاحُ كلِّ خيرٍ:
عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «الحياء خيرٌ كلّه» قال: أنَّه قال: «الحياء كلُّه خيرٌ» [رواه مسلم 37].
ثانيًا: الحياء إيمانٌ:
عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ الحياء والإيمان قرنا جميعًا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» [رواه الألباني 5020 في تخريج مشكاة المصابيح وقال: صحيح علي شرط الشَّيخين]
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة. والحياء شعبة من الإيمان » [رواه مسلم 35]
ثالثًا: الحياء أبهى زينة:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه» [صحَّحه الألباني 2635 في صحيح التَّرغيب].
فلا يكون في شيءٍ من الأقوال والأفعال، إلا زينه وجمله وحسنه؛ ولا ينزع من شيء، إلا شانه وعابه وقبحه، وجر إليه العيب والقبح..
الحياء مفتاح كل خير، بل هو الخير كله. والفحش مفتاح كل شر، بل هو الشَّرُّ كلّه.
رابعا: الحياء خلق يحبُّه الله -تبارك وتعالى-:
عن أشج عبد القيس -رضي الله عنه- قال: قال لي النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ فيك لخلقين يحبهما الله» قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: «الحلم والحياء» [صحَّحه الألباني 454 في صحيح الأدب المفرد].
خامسًا: الحياء يقود إلى الجنَّة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنَََّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النَّار» [رواه التِّرمذي 2009 وابن ماجه 3392 وصحَّحه الألباني].
سادسًا: الحياء خلق الإسلام:
الحياء هو من أفضل الأخلاق وأجلها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا (مفتاح دار السَّعادة بتصرُّفٍ يسيرٍ).
عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ لكلِّ دينٍ خلقًا وخلق الإسلام الحياء» [رواه ابن ماجه 3389 وحسَّنه الألباني].
سابعًا: الحياء شريعة جميع الأنبياء -عليهم السَّلام-:
عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبُّوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» [رواه البخاري 6120]. رفع النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قدر هذه الكلمة، وأجلها، وعظم شأنها؛ لأنَّها كلمةٌ جامعةٌ لخير الدُّنيا والآخرة. بحر الفوائد.
ثامنًا: الحياء مانع من فعل المعاصي:
عن أبي مسعود -رضي الله عنه -قال: قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبُّوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» [رواه البخاري 6120].
والمعنى: أنّ الرَّادع عن القبيح إنَّما هو الحياء، وبغياب الحياء: تتدمِّر الأخلاق، وترتكب الفواحش والموبقات، فمن لم يستح فإنَّه يصنع ما شاء.
- مظاهر مشرقة من الحياء
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقالت أم سلمة: فكيف يصنعنَّ النِّساء بذيولهنَّ؟ قال: «يرخين شبرًا»، فقالت: إذا تنكشف أقدامهنَّ، قال: «فيرخينه ذراعًا، لا يزدن عليه» [رواه التِّرمذي 1731 وابن ماجه 5351 وصحَّحه الألباني].
يا سبحان الله! الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول لأم سلمة: «يرخين شبرًا»، ولكنَّها تقول: إن النِّساء لا تطيق هذا؛ لأنَّ أقدامهنَّ ستنكشف عند المشي، فلم ترضَ أن يرخى الثَّوب شبرًا يجرجر في الأرض؛ ولكنَّ فتيات هذا الزَّمان رضين بهذا الشِّبر، ولكنَّه ليس شبرًا يجرجر في الأرض، لكنَّه شبر فوق الرُّكبتين.
المرأة في الحقيقة هي قطعة من الحياء، فإذا فقدت المرأة حياءها؛ فقدت كلَّ شيءٍ، وفعلت كلَّ شيءٍ.
- خلوة الَّذين لا يستحون من الله
لما غاب الحياء من الله عند كثير من النَّاس، تجرؤوا على محارم الله.
عن ثوبان -رضي الله عنه-: عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: «لأعلمنَّ أقوامًا من أمَّتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله -عزَّ وجلَّ- هباءً منثورًا» قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أمَّا إنَّهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنَّهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» [رواه ابن ماجه 3442 وصحَّحه الألباني].
- مظاهر قلَّة الحياء
- خروج النِّساء كاسيات عاريات:
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهم- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «يكون في آخر أمَّتي رجالٌ يركبون على سروج كأشباه الرِّحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهنَّ كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنَّهنَّ ملعوناتٌ، لو كان وراءكم أمَّة من الأمم خدمتهنَّ نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم» [حسَّنه الألباني 2043 في صحيح التَّرغيب].
- كثرة خروج المرأة من البيت:
عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «إنَّ المرأة عورةٌ، فإذا خرجت استشرفها الشَّيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربِّها وهي في قعر بيتها» [رواه ابن خزيمة 1685 وصحَّحه الألباني].
قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «فإذا خرجت استشرفها الشَّيطان»؛ أي: زينها في نظر الرجال، وقيل: أي: نظر إليها، ليغويها ويغوي بها.
- خروج المرأة متعطرة:
قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتَّى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة» [رواه ابو داود 4174 وصحَّحه الألباني].
أي: كغسلها من الجنابة.
هذا حكم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيمن خرجت إلى المسجد متعطرة. فماذا يكون حكمه فيمن تخرج إلى عرس ونحوه متعطرة؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قومٍ ليجدوا من ريحها فهي زانية» [رواه النَّسائي 5141 وحسَّنه الألباني].
- مشي المرأة في وسط الطَّريق:
عن أبي أسيد الأنصاري -رضي الله عنه-: أنَّه سمع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقولٌ وهو خارج من المسجد، فاختلط الرِّجال مع النِّساء في الطريق: «استأخرن؛ فإنَّه ليس لكن أن تحققن الطَّريق عليكنَّ بحافات الطَّريق» قال: فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتَّى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به [رواه أبو داود 5272 وحسَّنه الألباني].
سبحان الله! بادرن إلى تنفيذ أمر النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، بل بالغن في ذلك.
- وضع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها:
عن أبي المليح الهذلي: أن نساء من أهل حمص، أو من أهل الشَّام، دخلن على عائشة، فقالت: أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات؟! سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «ما من امرأةٍ تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت السِّتر بينها وبين ربِّها» [رواه التِّرمذي 2803 وصحَّحه الألباني].
فيحرم على المرأة أن تخلع ثيابها في غير بيت زوجها: كالمسابح، وصالونات التَّجميل، والأندية الرِّياضيَّة.
- صور من الحياء المذموم
- ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «لا يمنعنَّ رجلًا هيبة النَّاس أن يقول بحقِّ إذا رآه أو شهده أو سمعه» [رواه الألباني 1/323 في السِّلسلة الصَّحيحة وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم].
كأن يأكل والد بشماله، فيستحي الولد من نهي أبيه عن الأكل بالشِّمال حياء ًمنه.
فلا ينبغي لك أن تترك الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، حياءً من النَّاس.
- مقارفة الإثم استحياء من النَّاس:
كأن تمدَّ امرأة أجنبية يدها إلى رجلٍ فيصافحها، ويزعم أنه استحيا منها؛ وقد قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديدٍ خيرٌ له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له» [صحَّحه الألباني 5045 في صحيح الجامع].
فمن صافح امرأة أجنبية حياءً منها، فليتذكر الحديث التَّالي:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من التمس رضا الله بسخط النَّاس؛ رضي الله عنه وأرضى عنه النَّاس، ومن التمس رضا النَّاس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه النَّاس» [رواه الألباني 2250 في صحيح التَّرغيب وقال: صحيحٌ لغيره].
واعلم أنَّ الله -سبحانه وتعالى- إذا رضي عن العبد، أرضى النَّاس عنه؛ وإذا سخط عن العبد، أسخط الناس عليه.
- ترك طلب العلم: قال مجاهد -رحمه الله-: " لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبِّر ".
- كيف يكون الحياء من الله
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «استحيوا من الله حقّ الحياء» قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحي والحمد لله؛ قال: «ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء من الله حقّ الحياء: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرَّأس، وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا» [رواه التِّرمذي 2458 وحسَّنه الألباني].
فالمقصود من الحديث: أنَّ الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في السِّرِّ والعلن.
قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أوصيك أن تستحي من الله -تعالى- كما تستحي من الرَّجل الصَّالح من قومك» [صحَّحه الألباني 2541 في صحيح الجامع].
وهذا الحياء يسمى حياء العبوديَّة الَّذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدِّين وهي مرتبة الإحسان الَّذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنَّه يراه في كلِّ حركاته وسكناته فيتزيَّن لربِّه بالطَّاعات.
وهذا الحياء يجعله دائمًا يشعر بأنَّ عبوديَّته قاصرة حقيرة أمام ربِّه؛ لأنَّه يعلم أنَّ قدر ربِّه أعلى وأجلّ.
- قال ذو النُّون: " الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ممَّا سبق منك إلى ربِّك ".
وهذا يسمى أيضًا حياء الإجلال الذي متبعه معرفة الرَّبِّ -عزَّ وجلَّ- وإدراك عظم حقِّه ومشاهدة مننه وآلائه. وهذه هي حقيقة نصب الرَّسول وإجهاد نفسه في عبادة ربِّه.
- قبل الختام
الحياء من الأخلاق الرَّفيعة التَّي أمر بها الإسلام وأقرَّها ورغَّب فيها. وقد جاء في الصَّحيحين قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عنِ الطَّريق، والحياء شعبة من الإيمان» [رواه مسلم 35].
والسِّر في كون الحياء من الإيمان: لأنَّ كلَّ منهما داعٍ إلى الخير مُقرب منه صارف عن الشَّرِّ مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطَّاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التَّفريط في حقِّ الرَّبِّ والتَّقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتَّقاء الذَّمِّ والملامة.
وآخر دعوانا أن الحمدلله ربِّ العالمين.. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
مختارات