الوهاب
اسم الله الوهَّــاب
المعنى في اللغة:
وهب أي أعطى، يقال الهبة هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، أي يعطي بلا عوض ولا مقابل ولا غرض ودون استحقاق وإنما يعطيك لمصلحتك.
وفي محاضرة عن أحكام المولود قلت أن الله سبحـانه وتعـالى لم يذكـر شـأن الولــد في القــرآن إلا بصفــة الهبــة " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا... " [الأنعام:84] "... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ " [الشورى:49] قال يهب ولم يقل يُنعم أو يُعطى، لأن الولد محض فضل من الله سبحانه وتعالى يعطيه لا لعوض ولا لغرض، وهذه الهبات يتودد الله بها إليك حتى تُطيعه.
ورود الاسم في القرآن:
" الوهَّاب " ورد في الكتاب العزيز ثلاث مرات:
1- مرة في سورة آل عمران " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [آل عمران:8].
2- ويقول الله سبحانه وتعالى: " أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ " [ص:9] سبحانه وتعالى يفيض برحمته على عباده بمحض تَفَضُلِهِ.
3- وقال على لسان نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: " قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [ص:35].
فهذا يقتضي الذل والانكسار لله سبحانه وتعالى وذم النفس، فهو يدعو ويقول أعطني وأنا لا أستحق.. لذا نقول في مواسم الطاعات تواصوا بهذا الدعاء: " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [آل عمران:8] فمعه لا ترى نفسك ولا ترى العمل، ولا ترى أنك قمت رمضان وصمته، ولا ترى اجتهادك في العشر الأوائل من ذي الحجة، ولا ترى أنك أنهيت كتاب كذا وعملت كذا وحفظت كذا فأنت لا ترى نفسك بل ترى أنك لا تستحق... وحينها تكون الدعوة أقرب للإجابة.
كلام العلماء في معنى اسم الله " الوهَّاب ":
يقول الطبري: " أي المُعطي عباده التوفيق والسداد للثبات على الدين وتصديق الكتاب وتصديق المرسلين "
وفي زمن الفتن هذا نحتاج أن نتواصى بهذا المعنى ولذلك ذكره الله في مقام " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا... " لأنه سيمُدُك بالثبات.
وقال: " الوهَّاب أي يهب لمن يشاء ما شاء من مُلكٍ وسلطان ونبوة " ولذلك دعا سيدنا سليمان عليه السلام بهذا الدعاء، محض رحمة تستوجب أن تذل وتخضع له وتُحبه.
وقال الخطابي: " الوهَّاب هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استفادة " أي من غير طلب للثواب ولا مصلحة.
ويقول الحُليني: " وهو المُتفضل بالعطايا المُنعم بها لا عن استحقاق عليه ".
ويقول النسفي: " الوهَّاب هو الكثير المواهب، المُصيب بها مواقعهم، الذي يقسمها على من تقتضيه حكمته " أي يفيض بالخير على الكل على وفق الحكمة.
قال ابن القيم في النونية: " وكذلك الوهَّاب من اسمائه فانظر مواهبه مدى الأزمان أهل السماوات العلا والأرض عن تلك المواهب ليس ينفكان ".
يقول بعضهم في بيان هبات ربه سبحانه وتعالى: " انظر إلى هباته سبحانه تتابعت نعمه وفاض كرمه وزاد، يغفر ذنبك، يفرج كربك، يُجبر كسيرا، يُغني فقيرا، يشفي سقيما، يُخصِب عقيما، ويُعلم جاهلا، ويهدي ضالا، ويُرشد حيرانا، ويفك أسيرا، ويكسو عاريا، ويُسَّلي صابرا، ويزيد شاكرا، ويقبل تائبا، ويُجزي محسنا، ويعطي محروما، وينشر مظلوما، ويقصد ظالما، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويُزيد لوعة، ما للعباد عليه حق واجب، ولا سعيٌ لديه ضائع، إن نُعموا فبفضله أو عُذبوا فبعدله، وهو الكريم الواسع سبحانه وتعالى... ".
فهو الوهاب سبحانه:
* يهب الولد الصالح " وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " [ص:30].
* والزوجة هبة " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً " [الفرقان:74]. ويقول جل في عُلاه عن نبي الله زكريا: " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ... " [الأنبياء:90] هبة منه سبحانه وتعالى.
* والأهل هبة، يقول الله في حق نبي الله أيوب: " وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا... " [ص:43].
* كذلك الأخ الصالح هبة، فعندما يرزقك الله سبحانه وتعالى بأخ صالح يكون عونا لك على طاعة الله فذلك هبة منه سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى عن نبى الله موسي حين أرسل معه أخوه هارون: " وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً " [مريم:53].
* والنبوة هبة، يقول الله عن نبي الله موسى: "... فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ " [الشعراء:21] وقال وهب لي لأنه يشعر أنه لا يستحق النبوة، لذا لم يقل أعطاني لأن العطاء قد يكون عن استحقاق.
* والأخلاق الطيبة هبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: " اللهم أهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت " [صححه الألباني]. فالأخلاق الطيبة هبة من هبات الله سبحانه وتعالى ولذلك قال تعالى عن بعض أنبيائه: " وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً " [مريم:50] فهذا هو الوهَّاب سبحانه وتعالى.
ثمرة معرفة الله الوهاب:
* ثمرة معرفة الله تعالى بهذا الإسم أن تتقرب إليه وتحبه، فأول الأمر أن يزيد العبد في تقربه إلى ربه سبحانه وتعالى فمن نظر إلى واسع كرمه وجليل نعمه طمع في رحمته لذلك يُكثر من دعائه سبحانه وتعالى لأنه وهَّاب فسيعطيه.
واعلم أن العطاء لا يكون هبة حتى يكون مقرونا بطاعة وخير وبركة في الدنيا والآخرة، لذلك كان الصالحون لا يسألون الله تعالى فيقولون مثلا اللهم زوجني، وإنما كانوا يقولون ارزقني بزوجة صالحة تكون عون لي على أمر ديني ودنياي "... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ... " [الفرقان:74] أي تقر أعيننا بهن في الدنيا والآخرة فيكونون عونًا لنا على أمور ديننا ودنيانا، ولا يسألون الله مجرد الولد والذرية ولكن يسألون الله تعالى الولد الصالح العابد الذي يكون خيرا لهم لا فتنة عليهم.
* ويقتضي ذلك لا شك حمد الله تعالى على هباته، تأمل حمد خليل الرحمن إبراهيم حين وهبه الله تعالى إسماعيل وإسحاق قال: " الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء " [إبراهيم:39] فيكون من الأشياء الأساسية شكر الله على هذه النعم.
* وتقتضي كذلك الزُهد، هل رأيت هبة من هبات الدنيا قد بقيت لصاحبها؟ فليعلم كل من وهبه الله تعالى شيئا من الدنيا أنه زائل وأنه لابد أن يذهب عنه، فلا ينشغل بالنعمة عن المنعم ولا يشتغل بالخلق عن خالقهم ولا بالرزق عن رازقه ولا ينشغل بالهبة عن واهبها فلا يُفتن بولده وزوجه وماله وبأي هبة يعطيها الله إياه.
* وكذلك يقتضي الرضا، أن يرضى بما يهبه الله سبحانه وتعالى له، لأن الله سبحانه وتعالى أعطاه برحمته من غير استحقاق فإن منعه الله فليعلم أن منعه عطاء، فقد يمنع ليعطي وقد يعطي ليمنع، فأحيانًا يمنع عنك كي يزيدك وأحيانًا يعطيك لأنك لو لم تأخذ الآن ستُفتح عليك أبواب أخرى فيتودد إليك بالنعم ليمنع عنك انصراف القلب واليأس والإحباط وهذه المعاني، فلا شك أن هذا الأمر يقتضي الرضا به سبحانه وتعالى وبقدره إذا أعطى وإذا منع.
* ويقتضي كذلك الصبر إذا ضاعت هذه النعم والهبات، فقد يكون المنع هو عين العطاء كما قلنا فإذا ابتلاك الله بالحرمان من النعمة بأن صرفها عنك أو أخذها بعد أن وهبك إياها فلابد أن هناك حكمة.. فاصبر لحكم الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى صاحب النعم ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وإنما دائما أبدا نقول إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وعلينا فقط الصبر والاحتساب فمن أعظم ما يُسلي العبد ويُصبره أن يرجع أمره كله إلى ربه سبحانه وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم حاكيا عن رب العزة في الحديث القدسي: " إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة، يريد: عينيه " [صحيح البخاري].
الفرق بين هبة الخالق وبين هبة المخلوق:
قال الخطابي: " كل من وهب شيئًا من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب ولا يستحق أحد أن يُسمى وهَّابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكَثُرَت أفضاله وزادت، أما المخلوقون فإنما يملكون أن يهبوا مالا أو أن يهبوا نوالاً في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاءًا ولا يستطيعون أن يهبوا ولدًا ولا هدى ولا عافية، فالله الوهَّاب سبحانه يملك جميع ذلك وسع الخلق جوده فدامت مواهبه واتصلت مننه وعوائده... فهبات العباد محدودة وإن كانت هذه الهبات مطلوبة ".
لذا قال النبي صلى اله عليه وسلم: " تهادوا تحابوا " لأنه سبب لتأليف القلوب.
* ويقتضي كذلك أن يُكثر العبد من هباته ليعامله الله تعالى بهذه الصفة فيهبه، لأن الله أكرم الأكرمين.
مختارات