اسم الله الجواد 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : (الجواد) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو اسم ( الجواد ) .
1 – ورودُ اسم ( الجواد ) في السنة النبوية :
2 – نعمةُ الوجود وتسخيرُ الكون من لوازم اسمِ ( الجواد ) :
ولأن الإنسانَ قَبِل حمل الأمانة ، ولأنه قال : يا رب أنا لها ، استحق أن تُسخّر له السماوات والأرض .
ولا شك أن المُسخَّر له أفضل عند الله من المُسَخَّر ، فأنت أيها الإنسان المخلوق المكرَّم ، لمّا قبِلتَ حمل الأمانة جعلك الله المخلوق المكرَّم .
قال الإمام علي : " رُكِّب الملَك من عقلٍ بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان " .
إذاً : وجودنا على وجه العالم منحة من الله ، هذه المنحة اقتضت أن نُكلف أن نعبده فعلة وجودنا على وجه الأرض أن نعبد الله ، قال تعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56] هذه علة وجودنا .
حينما تذهب إلى بلد لتنال الدكتوراه ، وهذا البلد كبير فيه حدائق ، فيه وزارات ، فيه ملاهٍ ، فيه دور سينما ، فيه متاحف ، فيه أسواق ، أنت في هذا البلد لك هدف واحد ، علة وجودك في هذا البلد أن تنال الدكتوراه ، وعلة وجود الإنسان في هذا الأرض أن يعبد الله ، الدليل : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56] .
كلُّ شيء يقرِّب من الله فهو مشروعٌ :
أيها الإخوة ، ما دامت علة وجودنا أن نعبد الله فأيّ شيء في الكون يقربك من الله مشروع ، وأي شيء في الكون يبعدك عن الله غير مشروع ، هذه حقيقة كبرى .
لو أن الطالب ذهب إلى بلد ليدرس فأيّ شيء يقرّبه من تحقيق هدفه مشروع ، وأي شيء يبعده عن هدفه غير مشروع .
لذلك أيها الإخوة الكرام ، نحن في أمسّ الحاجة إلى فهم هذا المعني الدقيق : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات:56] .
الإنسان هو المخلوق المكرَّم ، فإذا عرف الله ، واستقام على أمره سبق الملائكة المقرَّبين ، وإذا غفل عن الله ، وتفلت من منهجه انحط إلى أسفل سافلين .
الناس صنفان لا ثالث لهما :
هؤلاء البشر أيها الإخوة ، على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتمائهم ، وأعرافهم ، وأنسابهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم ، واتجاهاتهم ، وأطيافهم ، هم عند الله رَجُلان لا ثالث لهما : رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله ، وتفلت من منهجه فشقي ، وهلك في الدنيا والآخرة ، ولا تجد نموذجا ثالثا ، هذا تقسيم رب السماوات والأرض .
هذا النموذج الأول :
" أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى "
صدّق أنه مخلوق للجنة ، فلما صدّق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، فلما اتقى أن يعصي الله بنى حياته على العطاء ، فهذه خصائص ثلاث : صدق بالحسنى ، والحسنى هي الجنة ، واتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، هي خصائص المؤمن ، جعل الآخرة أكبر همه ، وجعلها مبلغ علمه ، وجعلها منتهى آماله ، ومحط رحاله ، فنقلَ اهتماماته كلها إلى الآخرة ، عندئذٍ اتقى أن يعصي الله ، عندئذٍ أراد أن يدفع ثمن الجنة ، وثمن الجنة هو العمل الصالح .
الإنسان يسلَم بالاستقامة ويسعد بالعمل الصالح :
كما هو معلوم أن الإنسان بالاستقامة يسلم ، لكن بالعمل الصالح يسعد .
" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا " [فصلت:20] لكن : " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [فصلت:33] بالاستقامة يسلم ، وبالعمل الصالح يسعد .
لذلك أيها الإخوة ، إن الله جل جلاله ( جواد ) منح الخلائق الوجود ، فأنت موجود ، ووجودك منحة من الله ، لكن هذا الذي لا يفقه حقيقة وجوده إنسان شارد ، لماذا أوجدك ؟ ليسعدك .
" إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " [هود:119] خلقهم ليسعدهم ، خلقهم ليرحمهم ، خلقهم ليسلمهم ، خلقهم ليجعل لهم جنتين : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .
3 – لابد من التخلُّقِ بصفة الجود :
إن الله جل جلاله ( جواد ) يحب الجود ، ولا أزال أركز على هذه النقطة ، يمكن أن تعبد الله بأن تتخلق بكمال مشتق من كماله ، هو ( جواد ) يحب الجود ، يحب العطاء ، فالمؤمن يبني حياته على العطاء .
أيها الإخوة ، دققوا : تقسيمات الأرض لا تنتهي ، دول الشمال ، دول الجنوب ، العرق الآري ، العرق الملوّن ، الأغنياء ، الفقراء ، الأقوياء ، الضعفاء ، الأصحاء ، المرضى ، تقسيمات البشر لا تنتهي ، أما البطولة فأن تعتمد تقسيمات خالق البشر ، خالق البشر عنده مؤمن أو كافر ، مستقيم أو منحرف ، يعطي أو يأخذ ، ينصف أو يجحد ، يصدق أو يكذب ، فإن الله ( جواد ) يحب الجود ، فإذا أردت أن تتقرب إلى الله تخلق بالكمال الإلهي .
لذلك الأنبياء جاؤوا إلى الدنيا فأعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا .
دقق ، في حياة المؤمن يحب أن يدعو إلى الله ، يحب أن ينفق ماله ، ووقته ، وخبرته ، وجهده ، بنى حياته على العطاء ، بالتعبير المعاصر استراتيجيته العطاء ، يعطي وهو في قمة السعادة ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأنبياء ملَكوا القلوب ، الأقوياء ملكوا الرقاب ـ ودقق ـ الناس جميعاً من دون استثناء تبع لقوي أو نبي ، اسأل نفسك هذا السؤال : أنت لمن ؟ هل أنت تابع للأقوياء ؟ معك صلاحية ؟ تحتل منصبا ؟ قوي ؟ غني ؟ متبحر في العلم ، هذا التبحر يدر عليك دخلاً كبيراً ؟ أنت إذاً تابع للأقوياء .
هل أنت مؤمن ؟ تعطي من وقتك ، من خبرتك ، من جهدك ، من معلوماتك ، فإذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة ، وإذا أسعدك أن تأخذ فأنت من أهل الدنيا ، ببساطة بالغة يمكن أن تقيّم نفسك ما إذا كنت من أهل الدنيا أو من أهل الآخرة ، فما الذي يُسعِدك أن تعطي أو أن تأخذ ؟ إن الله ( جواد ) يحب الجود .
ويحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها :
هناك إنسان ذو هموم عالية جدا ، وهناك إنسان تافه .
لا يبالي الله بأي أودية الدنيا هلك الإنسان الشارد ، لأنه غارق في ملذاته ، غارق في سفاسف الأمور ، في أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، ما هو الضابط في هذا ؟
حينما تُقبل على شيء فهذا الشيء هل يصل معك إلى القبر ؟ أم يبقى عند شفير القبر ؟ هذا هو الضابط .
هناك إنسان يعتني ببيته عناية بالغة ، لم يرتكب معصية ، لكن هذه العناية البالغة التي امتصت كل وقته ، هل تكون معه في القبر ؟ لا ، لكن العمل الصالح يدخل معه في القبر .
يجب أن تكون الرؤية صحيحة موافقة للشرع :
أيها الإخوة الكرام ، القضية قضية مهمة جداً ، أنا ما الذي ينفعني في المستقبل ؟ عمل صالح ، طاعة لله ، تلاوة للقرآن ، دعوة إلى الله ، تربية للولد ، إعطاء من المال ، ما الذي يدخل معي في القبر ؟ هذه الأعمال .
إنّ الإنسان حينما يأتيه ملك الموت يقول : " رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا " [المؤمنون:99-100] البطولة ألا تندم ، متى لا تندم ؟ إذا عملت لأُخراك ، ومتى تندم ؟ إذا عملت لدنياك ، لأن الدنيا تغر وتضر وتمر .
الدنيا تغر ، كيف ؟ تظنها بحجم أكبر من حجمها ، هذا الحجم الكبير في مقتبل الحياة ، بعد حين تراها بحجم أقلّ من حجمها ، لكنك عند مغادرة الدنيا لا ترى الدنيا شيئاً ، لا ترى إلا الله .
البطولة أن تصح رؤيتك وأنت في مقتبل حياتك حتى يأتي عملك صحيحاً .
" يحب الله معالي الأخلاق ويكره سفاسفها "
لذلك : " إن الله جل جلاله جواد يحب الجود ، ويحب معالي الأخلاق ، و يكره سفاسفها " .
هذا منهج ، فإنْ جاءت الأمور كما تحب فيجب أن تحمد الله عز وجل ، وإن جاءت على غير ما تحب فلا تلومنّ إلا نفسك .
الإنسان حينما يفقه حكمة المصيبة ينضبط ، حينما تفهم على الله فتنة المصيبة تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله عز وجل .
" إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ " :
إذا قدمت صدقة فلتكن من أطيب مالك ، إذا قدمت هدية لتكن من أطيب الهدايا ، لأن " اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ " هؤلاء الذين ينفقون شيئاً يكرهونه ، ينفقون طعاماً تعافه أنفسهم ، هؤلاء لا يتقربون إلى الله بهذا الشيء : " إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ " .
النظافة الأخلاقية في الإسلام : " نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ " .
هذه هي الجاهلية الأولي ، قال تعالى : " وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى " [الأحزاب:33] نفهم من هذه الآية أن هناك جاهلية ثانية ، هي أمرّ وأدهى ، يوم يؤتمن الخائن ، ويخوَّن الأمين ، يصدَّق الكاذب ، ويكذَّب الصادق ، يضام الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، موت كقعاص الغنم كما ترون ، لا يدري القاتل لمَ يَقتُل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتِل .
هذه الجاهلية الثانية ، الجاهلية الأولى التي قال عنها سيدنا جعفر : " أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ... " .
ـ دقق ـ إنْ حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ، هذه هي صفات المؤمن ، هذه أركان الاستقامة ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، وتاج ذلك : نعرف نسبه ، فدعانا إلى الله لنعبده ، ونوحده ونخلع ما كان يعبد آبائنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء .
هذا هو الإسلام ، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، أما حينما أقول : بني الإسلام علي خمس ، الخمس شيء ، والإسلام شيء آخر ، بني الإسلام ، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية ، الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .
لا تُقبل الشعائر إلا بصحة المعاملات :
الحــج :
الزكــاة :
مسكُ الختام :
ملخص الملخص : يجب أن تتخلق بكمال مشتق بكمال الله .
لا تقِس نفسك بالصلاة ، قس نفسك بالكمال ، هل أنت جواد ؟ هل أنت صادق ؟ هل أنت أمين ؟ هل أنت متواضع ؟ هل أنت محسن ؟ هل أنت منصف ؟ هذا يرفعك عند الله ، إذا ضُمَّ إلى عبادتك الشعائرية نجحت ، وأفلحت ، وفزت .
مختارات
-
ارفع الصخرة التي سدّت كهف أمتك!
-
المؤمن
-
النَّصِيرُ
-
تابع " البسملة لدى القراء والفقهاء والمحدثين وعلماء عد الآي "
-
فقه عظمة الرب - الجزء الثالث
-
أنماط: (11) نمط السحرة
-
" عباد بن بشر - معه من الله نور "
-
ترويحة على الطريق : علوم ليست فى الكتب
-
" السميع "
-
ما معنى الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟.