الأصل الحادى والعشرون : من صفّى صفى له , ومن كدّر كدر عليه
الأصل الحادى والعشرون: من صفّى صفى له، ومن كدّر كدر عليه
اللهم إنا نسألك أن تصفى لنا أعمالنا من الكدر، وقلوبنا من الرياء، وأعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب.. اللهم إنا نسالك أن تصفى لنا حياتنا لتكون خالصة لك.. من صفى صفى له، ومن كدر كدر عليه.
أيها الاخ الكريم، اسمح لى أن أقول لك: إن العلاقة مع الله علاقة ذات حساسية بالغة.. وبعض الشباب لا يلتفت لتلك العلاقة، فتراه يلتزم – اللهم ارزق شبابنا الالتزام، اللهم ثبتهم على الايمان، اللهم نجهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن – ويبدأ الطريق، ومع ذلك لا يزال يتلون، لا يزال تافها وفارغا، لا يزال ماء قلبه معكرا.. تراه يمكر بالله.. يحاول أن يخدع الله.. وإنما أتى هذا المسكين من جهله، لأنه لم يعرف الله.
لقد كنت على المنبر فأخرجت جنيها وقلت: هل رأيتم هذا الجنيه؟! إن الذى أعطانى هذا الجنيه رجل " بقال ".. والجنيه مكتوب عليه بخط واضح: " حبيبتى الغالية، كل عام وأنت بخير، أحب أن أعبر لك عما فى داخلى.. والله يا حبيبتى لولا خوفى من الله، وأنى أعبده، لعبدتك أنت حبيبتى.. حبيبك فلان ".. البعض يضحك من هذا، ووالله إنه لأمر يوجع القلب.
إن هذا الولد من الممكن أن يكون مؤمنا، بدليل أن أول كلمة قالها: لولا خوفى من الله.. هذا الكلام قد يقوله البعض، ولكن الحقيقة أن هذا الولد لو كان خائفا من الله ما قال هذا الكلام بداية.. نعم: هو جاهل غير خائف، أخرج ما بداخله وأظهره. وما أكثر من بداخلهم مثل هذا الشاب وأكثر، ولكنهم لا يقولون بألسنتهم، لأنهم كذابون، يخادعون الله.
قال البقال كلمة جميلة جدا: " انظر !.. الولد يقول لها: أعبدك وهى باعته وصرفت الجنيه !! " باعته وتركته رغم أنه يعبدها !!
الجهل يا شباب يفعل أكثر من هذا.. فهؤلاء الشباب المساكين فى جهل مطبق بالعقائد.. بالدين.. بالفقه.. فهذا الولد جاهل وذنب أبيه وأمه مثل ذنبه تماما، لأنهما لم يعرفاه بالدين، ولو كان يعرف الله لما قال هذا الكلام. فلا تمكر بالله، ولا تبع الله مثل هذا الشاب، وتب إلى الله واصدقه..
ولذلك عندما أقول لك: تب فتقول: تبت من كل شىء فأنت إذا كذاب.. حدد من أى شىء تبت.. تبت من ماذا؟، فذنوبك كثيرة؟!.. ينبغى أن تسمى الاشياء بمسمياتها لتكون واضحا.. تعامل مع الله بصراحة وإياك أن تخادع أو تمكر.
أخى فى الله، إذا التزمت فصف.. صفّ.. لابد أن نصفى أعمالنا مع الشيطان.. نصفى حساباتنا مع النفس والهوى.. لابد أن نبدأ فى تصفية أحوالنا مع الشهوات، لتبقى حياتنا صافية تماما لله وحده.
بعض الشباب ينظر إلى النساء المتبرجات، فهل هذا يصفى أم يكدر؟.. يقول: أشعر بقسوة فى قلبى لا أعرف لماذا؟!.. عجيب أمرك ! أتمكر؟!.. أنت تعرف ما سبب هذه القسوة.. فحينما تكدر يكدر عليك.
والعلماء يستدلون على هذا الاصل: " من صفى صفّى له، ومن كدر كدر عليه " يقول الله – تعالى -: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عبد الله " (الإنسان: 5 – 6).. عينا يشرب بها من؟ " عباد الله ".. فهم أبرار، عباد الله أولا، ولذلك استحقوا النعيم والتكريم.
قال العلماء: الناس ثلاث درجات: الدرجة الاولى: أصحاب الشمال – نعوذ بالله منهم – وهؤلاء هم أهل النار، وإن كانوا فى النهاية سيدخلون الجنة. والدرجة الثانية: الأبرار، وهم من أهل الجنة. والثالثة: المقربون وهم أفضل وأعلى من الأبرار.
إذا فأهل الجنة درجتان: أبرار ومقربون، ولذلك يقول عز وجل: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " (الرحمن: 46)، وفى قوله: " ومن دونهما جنتان " (الرحمن: 62)، جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من ورق (فضة) لأصحاب اليمين.. وفى هؤلاء جميعا يقول الله عز وجل: (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * أولئك المقربون " (الواقعة: 8 – 11).
أصحاب اليمين والسابقون أو الأبرار والمقربون.. درجتان: ممتازة وعادية.. فأى الدرجتين تفضل؟!، ولذلك فإن الناس الأبرار يقول الله فيهم: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا " (الإنسان: 5).. مزاجها أى ممزوجة.. أى إنهم سيشربون ماء كافورا.. " مزاجها كافورا "، أى: رائحتها كافور.. أما عباد الله المقربون فسيشربون كافورا خالصا، كافورا صافيا.. لأنهم صفّوا.. ومن صفّى صفى له، ومن كدر كدر عليه.
لقد كنت أقول لأولادى – اللهم أصلح أولادى أولاد المسلمين، اللهم ربّ لنا أولادنا، اللهم احفظ أولادنا ونجهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن – كنت أقول لهم عندما وجدت فيهم بعض الفتور وعدم الصفاء: أنت لستم جهالا.. تعرفون فضل قيام الليل، وتعرفون فضل صلاة النوافل، وفضل الذكر، وفضل الصدقة.. وتعرفون وتعرفون.. فلماذا إذا لا تعملون؟!.. لماذا أنتم كسالى؟!.. قلت لهم وأقول لكم أيضا لأنكم أيضا أولادى: تعرفون ما السبب؟!.. السبب أنكم لم تتصوروا الجنة كما ينبغى.
وقلت لبناتى: أنت لو مت الآن هل ستكونين مع السيدة فاطمة أو عائشة حبيبة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنة؟!.. إذا ما فائدة الجنة إذا لم تكونى مع هؤلاء؟!!
إن بعض الناس فى الجنة – اللهم ارزقنا الجنة يا رب – ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشية، وبعض الناس لا يرى الله الا كل جمعة.. كل أسبوع مرة فماذا تنوى أنت؟ هل تحب أن ترى الله مرتين فى الاسبوع أم مرة كل يوم؟.. إذا منا فى الدنيا نتمنى أن نأتى إلا درس العلم كل يوم، فما بالنا فى الجنة برؤية الملك !!
إخوتاه، لو أنكم كنتم فى الجنة، وحرمت أنت من النظر إلى وجه الله الكريم كل يوم، ولم تتمتع برؤيته كما يتمتع أهل الفردوس، فكيف تتصور حالك؟!.. نعم: ستكون سعيدا فى الجنة ولكن ليس كسعادة أهل الفردوس.. هذه هى القضية.. أن تفكر فى حالك، وهل أنت صاف مع الله أم لا؟.. هل لو مت اليوم ستكون مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم؟.. أجب !!.. إذا فاعمل للفردوس الاعلى.. ابدأ وصف ولا تلتفت، فإن الذى يضع الفردوس فى ذهنه يظل يعمل لها طوال عمرها لينالها.
نعــــم: لن تستطيع السير فى الطريق الى الفردوس الا إذا صفيت، فصف ليصفى الله لك قلبك، ويصفى لك عبادتك.. صف ليصفى لك حياتك.. صف ليصفى لك طريقك اليه.. خل عنك مشاكلك ومشاغلك ولا تفكر الا فى الله.. عش لله خالصا صافيا.. لا تنشغل الا بالله وحده.. وكلما صفيت لله صفى لك.. ومن كدر كدر عليه.. فإذا وجدت فى حياتك كدرا، كأن تجد والدك يضايقك حين التزمت أو زوجتك أو زملاءك فى العمل، فاعلم يقينا أن هذا الكدر منك أنت، فلو كنت صافيا لله لأراح قلبك.. نعم: السبب: أنك لست بخالص.. كدرت فكدر الله عليك حياتك.. فصف يصف لك.
إذا وجدت أنك تقف فى الصلاة فيشرد ذهنك، وتقرأ القرآن فلا تركز ولا تتدبر وتذكر الله وفكرك شارد.. فاعلم أنك كدرت العبادة.. لم تصف بعد لله.. فالكدر آت منك أنت.
ولذلك يقول العلماء: " من رأس العين يأتى الكدر ".. فالكدر خارج من داخلك أنت، من أعماق قلبك فاصف قلبك لله.. فرغ قلبك لله وحده، ليصفى لك حياتك، فتصل اليه بأمان واطمئنان.
* * *
مختارات