المؤمن
ورودُ اسم (المؤمن) في القرآن الكريم:
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد في الآية الكريمة:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ الحشر 23
المعنى اللغوي:
المؤمن
إما أن يكون اسم فاعل من الفعل آمن أي صدق، يقال آمن به أي صدقه،ومنه قوله تعالى (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) يوسف 17
وآمن بشيء أي اعتقده حقيقة، والإيمان التصديق
أو يكون اسم فاعل من الفعل أمِن بكسر الميم أي اطمأن ولم يخف
إذن فاسم المؤمن له معنيان:
الأول: التصديق وعلى هذا المعنى:
1. فإنه تبارك وتعالى مؤمن بكل ما دعانا إلى الإيمان به، فهو مؤمن أنه موجود، ومؤمن بأنه موصوف بصفات الكمال المطلق، ومؤمن بأنه واحد أحد، ومؤمن أنه لا إله سواه، حيث قال جل وعلا:
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران 18
2. تصديقه لرسله فالله سبحانه وتعالى يصدق رسله، بعث النبي محمداً رسولاً، وصدقه أي جعل الناس يصدقونه بالمعجزات التي أجراها على يديه ، وبعث موسى نبياً وصدقه بالمعجزات، وأرسل عيسى رسولاً وصدقه بالمعجزات.
3. تصديقه لأوليائه بإظهار الكرامة على أيديهم.
4. وهو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده ويصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيب آمالهم قال تعالى (قل صدق الله) آل عمران95
وعند البخاري بسنده عن أبي هريرة (أنا عند ظن عبدي بي)
وعند النسائي عن ابن عمر (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على درجة الكعبة فحمد الله وأثنى عليه وقال:
الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده)
فالمعنى: هو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه.
المعنى الثاني: الأمان ضد الإخافة قال تعالى (وآمنهم من خوف) قريش
وقال إبراهيم لقومه (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) الأنعام
والظلم هنا هو الشرك، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود، أن النبي قال في هذه الآية حينما استعظم الصحابة هذه الآية وقالوا: يا رسول أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟
فقال: « ليس الذي تذهبون إليه، الظلم الشرك، ألم تسمعوا لقول العبد الصالح (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان:13
قال ابن كثير في الآية: أي: هؤلاء الذين اخلصوا العبادة لله وحده، ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة.
و(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) يونس
وهو سبحانه لا يؤمن عباده من مخاوف الدنيا فحسب ؛ بل يؤمنهم من عذاب جهنم ؛ ويبعثهم يوم القيامة من الفزع آمنين (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) فصلت
و (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (٨٩) النمل
و(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) الأنبياء
وهو الذي أمن عباده ألا يظلم أحداً من خلقه
(المؤمن) جل وعلا أمن الناس فلا يظلم أحدا أبدا قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ النساء 40
فائدة:
معنى النقير - الفتيل - القطمير - في القرآن الكريم
قال تعالى (:وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) 124 النساء
فبين سبحانه إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة.
ويقول تعالى: (ولا يظلمون فتيلا)النساء 49
والفتيل هو الخيط الذي في شق النواة.
ويقول (ما يملكون من قطمير) فاطر 13
والقطمير هو اللفافة التي على نواة التمرة والثلاثة في القرآن.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا....).أخرجه مسلم
تثبيتُ الله لقوانين الكون يعطي الأمن والاطمئنان:
ثبات قوانين الكون يعطي الاطمئنان، الشمس ثابتة في شروقها وغروبها، وكذا دورة الأفلاك: القمر، والليل، والنهار.
وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) يس
خصائص المواد، كلها ثابتة، خصائص البذور، لن تزرع مادة فتنتج مادة أخرى ! هذا مستحيل ! لثبات القوانين، قوانين التمدد، قوانين السقوط، قوانين الانحلال الفيزيائي، كل القوانين ثابتة، لماذا هي قوانين؟
لأنها مطَّردة وشاملة.
فيمكن أن نقول: ثبات خصائص المواد هو الذي يهب الأمن للناس
ثمار الإيمان بهذا الاسم:
1. تصديق الله في كل ما أخبر به وتصديق رسله وتصديق كلامه:
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم إذا أقام الليل:
(اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن " ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن " ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن " ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيين حق ومحمد حق والساعة حق،اللهم لك أسلمت،وبك آمنت، وعليك توكلت،واليك انبت،وبك خاصمت،واليك حاكمت،فاغفر لي ماقدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت الله لا اله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه البخاري عن ابن عباس
وفي الحديث أيضا عن أنس (من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه فإن قالها أربعا أعتقه الله من النار) رواه أبو داود وحسن ابن القيم إسناده في زاد المعاد
2. دعاء الله أن يحفظك مما تخاف ويهبك الأمن فالأمن نعمة من الله والخوف ابتلاء من الله كما في قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) البقرة
فالمؤمن دائما ما يتعوذ بالله من شر كل ذي شر (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥)الفلق
3. نعمة الله علينا بالأمن والأمان:
فأعظم النعم بعد الإيمان العافية والأمن، فالأمن ضد الخوف، الأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوءه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا على النفس، ولا على العرض، ولا على المال، ولا على الحقوق.
ما قيمة المال إذا فقد الأمن؟! ما طيب العيش إذا انعدم الأمن؟!
الأمن تنبسط معه الآمال، وتطمئن معه النفوس، وتتعدد أنشطة البشر النافعة مع الأمن، ويتبادلون المصالح والمنافع، وتكثر الأعمال، وتدر الخيرات والبركات مع الأمن، وتأمن السبل، وتتسع التجارات، وتُشيد المصانع، ويزيد الحرث والنسل، وتحقن الدماء، وتحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها مع الأمن.
وقد امتنّ الله على الخلق بنعمة الأمن،قال تعالى: فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ [قريش3-4].
وعن عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه الترمذي، وقال: " حديث حسن "
الأمنُ مطلَبٌ في الحياة لا يستغني عنه الخلقُ لقضاءِ مصالحهم الدينية والدنيوية، وما مِن عبد إلاَّ ويبحثُ لنفسه عن أسبابِ أمنِها، ويتوقَّى جَهدَ طاقته أسبابَ الخوف التي قد تُحدق به في طريق حياته، ومهما أُوتي الإنسان من سلامةِ بَدن ووَفرة رزق فإنّه لا يشعُر بقيمتِها إلاَّ بالأمن والاستقرار.
ونعمةُ الأمن تُقابَل بالذكر والشكر(فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)البقرة:239
4. أن يأمن الخلق جانبك:
عن أبي هريرة قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله! إنّ فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا خير فيها، هي من أهل النار»، قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصَّدّق بأثوارٍ(جمع ثور: القطعة من الأقط، وهو الجبن المجفف الذي يتخذ من مخيض لبن الغنم،)، ولا تؤذي أحداً؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هي من أهل الجنّة» أخرجه أحمد وصحّحه الألباني
فهذا الحديث يدل على أن كثرة العمل الصالح مع أذية الناس لا ينفع العامل شيئاً، فما يُلْحِقَهُ من الأذى بالآخرين يضيع عليه حسناته، ويطغى على أعماله الصالحة.
وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ (صحيح البخاري
وبوائقه شروره وإيذاءه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ) سنن الترمذي
5- لا تروع مسلما:
بل كن أمانا للمسلمين جميعا فإنه يحرم ترويع المسلم وتخويفه ولو كان على وجه المزاح واللعب، كما روى ذلك عبد الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أبو داود
وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة في النار».
فالشرع يغلق باب الشر ابتداءً قبل وقوعه، وفي هذا حفظ لأرواح الناس، وحماية لهم، وتحقيق للأمن والأمان لهم.
وقوله: «فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده» قال الحافظ ابن حجر نَزَغَ الشيطان بين القوم نزغاً، حمل بعضهم على بعض بالفساد، ومنه: {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} يوسف:100.
والمراد أن يغري بينهم حتى يضرب أحدهما الآخر بسلاحه فيحقق الشيطان ضربته له.
قوله: «فيقع في حفرة في النار» قال الحافظ: «هو كناية عن وقوعه في المعصية التي تفضي به إلى دخول النار.
فائدة:
هل هناك حديث يقول: تخلقوا بأخلاق الله، وكيف يقال عن صفات اللّه أنها أخلاق؟
وردت عدة أحاديث في نسبة الخُلُق إلى الله، ومنها ما هو ضعيف ومنها ما هو موضوع.
فمن ذلك حديث: إن لله تعالى مائة خلق وسبعة عشر من أتاه بخلق منها دخل الجنة.
رواه الطيالسي والبزار وضعفه الألباني.
ومنها: السخاء خلق الله ا لأعظم. رواه الأصفهاني وابن النجار وضعفه الألباني.
ومنها: تخلقوا بأخلاق الله. ذكر ابن القيم في المدارج أنه لا أصل له.
ومنها: ألا وإن حسن الخلق خلق من أخلاق الله عز وجل. رواه الخطيب وابن النجار، وقال عنه الذهبي بأنه موضوع.
وقد وجدنا عدة علماء ذكروا في كتبهم الحث على التخلق بأخلاق الله تعالى، وهذا يدل على أن هذا كان معروفا عند أهل العلم.
فقد ذكره ابن الحاج في " المدخل " والسيوطي في " شرح سنن ابن ماجه " والمناوي في " شرح الجامع الصغير " والمباركفوري في " تحفة الأحوذي " والآبادي في " عون المعبود " والغزالي في المقصد الأسنى
ومن هذا الباب الحياء والكرم فقد ثبت وصف الله بهما في الحديث: إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرا. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني
ومن العلماء من يرى أن الخُلُق غير الصفة ومنهم من يرى أن الخلق والصفة معناهما واحد، كما يفيده كلام المناوي في شرح حديث الطيالسي السابق، فما قيل في أخلاق الله عموما يقال مثله في الحياء والكرم
إلا أن الأولى بالمسلم أن يتقيد دائما في حديثه عن الله تعالى بما ثبت،
لأن الأصل في ذلك التوقف عند ما ثبت وعدم تجاوزه.
وهنالك فتوى للشيخ ابن باز رحمه الله يقول:
هذا التعبير غير لائق، ولكن له محمل صحيح وهو الحث على التخلق بمقتضى صفات الله وأسمائه وموجبها
، وذلك بالنظر إلى الصفات التي يحسن من المخلوق أن يتصف بمقتضاها،
بخلاف الصفات المختصة بالله كالخلاق والرزاق والإله ونحو ذلك.
فإن هذا شيء لا يمكن أن يتصف به المخلوق، ولا يجوز أن يدعيه،
وإنما المقصود:
الصفات التي يحب الله من عباده أن يتصفوا بمقتضاها كالعلم والقوة والرحمة والحلم والكرم والجود والعفو. وأشباه ذلك
، فهو سبحانه عليم يحب العلماء
، قوي يحب المؤمن القوي أكثر من حبه للمؤمن الضعيف، كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، عفو يحب العفو.. إلخ،
لكن الذي لله سبحانه من هذه الصفات وغيرها أكمل وأعظم من الذي للمخلوق،
بالمقاربة بينهما ؛ لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في صفاته وأفعاله
، كما أنه لا مثل له في ذاته، وإنما حسب المخلوق أن يكون له نصيب من معاني هذه الصفات يليق به ويناسبه على الحد الشرعي
، فلو تجاوز الكرم الحد صار مسرفا،
ولو تجاوز في الرحمة الحد عطل الحدود والتعزيرات الشرعية
، وهكذا لو زاد في العفو على الحد الشرعي وضعه في غير موضعه،
وهذه الأمثلة تدل على سواها،
وقد نص العلامة ابن القيم رحمه الله على هذا المعنى في كتابيه:
(عدة الصابرين) (والوابل الصيب)،
ولعله نص على ذلك في غيرهما كالمدارج وزاد المعاد وغيرهما.
وإليك نص كلامه في العدة والوابل:
قال في العدة صفحة 310:
ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه إليه من اتصف بصفة الشكر
، كما أن أبغض خلقه إليه من عطلها أو اتصف بضدها
، وهذا شأن أسمائه الحسنى، أحب خلقه إليه من اتصف بموجبها
، وأبغضهم إليه من اتصف بضدها،
ولهذا يبغض الكفور والظالم والجاهل والقاسي القلب
، والبخيل والجبان والمهين واللئيم، وهو سبحانه جميل يحب الجمال،
عليم يحب العلماء، رحيم يحب الراحمين، محسن يحب المحسنين
، ستير يحب أهل الستر، قادر يلوم على العجز،
والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، عفو يحب العفو، وتر يحب الوتر
، وكل ما يحبه من آثار أسمائه وصفاته وموجبها،
وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها) ا. هـ
وقال في الوابل الصيب صفحة 543 من مجموعة الحديث:
والجود من صفات الرب جل جلاله،فإنه يعطي ولا يأخذ
، ويطعم ولا يطعم، وهو أجود الأجودين،
وأكرم الأكرمين، وأحب الخلق إليه من اتصف بمقتضيات صفاته،
فإنه كريم يحب الكرماء من عباده
، وعالم يحب العلماء، وقادر يحب الشجعان، وجميل يحب الجمال). انتهى.
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية، وحصول للفائدة
، وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والقيام بحقه إنه سميع قريب.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 251
مختارات