كثرة الذنوب
قال صلى الله عليه وسلم: « الإثم حوَّاز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ».
وحوازُّ بتشديد الزاي أو الواو، فهي حَوَازُّ بتشديد الزاي جمع حازٍّ، وهي الأمور التي تحزُّ فيها أي تؤثر، كما يؤثر الحزُّ في الشيء، أو حوَّاز بتشديد الواو، أي يحوزها ويتملكها ويغلب عليها.
وسواء كان المراد أن الذنوب تجرح القلوب وتؤثر فيها، أو تحوز القلوب وتسيطر عليها، فإن ضررها عظيم وفادح، ولذا كان من رحمة الله بعباده أن فرض عقوبات تنبيهية لتستيقظ القلوب رهبا وترتعد الأطراف وجلا، فتغلق على العدو بابا سبق وأن ولج منه، وتطرد فلوله على أدبارها بعد أن غزوا قلعته.
الذنب إذن يُضعف مقاومة حصن القلب العتيد في مواجهة المعاصي، فتنهار مقاومته أمام أي شهوة ويستسلم لأي غفلة، فإن تتابعت على القلب غزوات العدو مع انعدام الحراسة عليه أصابته حالة من حالة السُّكر، فيصبح كالمخمور بل إن المخمور قد يكون أفضل حالا منه، فإنه تأتيه ساعة إفاقة يصحو فيها ويعقل، بل لو صادف شيئا ينقذه من همومه غير الخمر لربما تركها، أما مخمور القلب فلا يفيق من سكرته إلا على دقات ملك الموت يطرق بابه!! فهو ميت في صورة حي، وحجر في صورة قطعة لحم!!
إن الوقوع في الذنوب مع عدم النزوع عنها والإقامة عليها يؤدي إلى القساوة أو الموت ؛ لذا كان من بديع شعر ابن المبارك الذي رصد فيه هذا المعنى:
رأيت الذنوب تميت القلوب... ويورث الذلَّ أدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب... وخيرٌ لنفسك عصيانها
مختارات