نقض عهد الله
قال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13]
فجعل الله نقض العهد معه سببا رئيسا لقسوة القلب، ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75-77]
فتأمل هذه القصة وهي أن هؤلاء القوم عاهدوا الله إن آتاهم من فضله أن يتصدقوا مما آتاهم، ولكن لما آتاهم الله من فضله نكصوا على أعقابهم، وغدروا في ما عاهدوا، فكانت العقوبة أن أعقبهم الله تعالى نفاقا دائما في قلوبهم يبقى معهم حتى الممات، وهذا وعيد مخيف يرتعد منه المرء إن هو خالف ما سبق وأن عاهد ربه عليه: أن يصل إلى ما انحدر إليه هؤلاء المنافقون، فإن قانون التماثل لا يتخلَّف ولا يتبدَّل، فإن فعلنا مثل ما فعل أسلافنا من الأمم والأقوام السابقة وصلنا إلى ما وصلوا إليه خيرا كان أو شرا، وما ربك بظلام للعبيد.
إن منا من إذا نزلت به بلية أو مرض أو احتاج ربه في حل مشكلة ألمَّت به ؛ أناب وخضع وتاب وخشع، وعاهد الله لئن كشف الله عنه ما هو فيه ليفعلن وليكونن، ثم لا يكون بعدها إلا التولي يوم الزحف، وإخلاف الوعد مع البشر من نواقض المروءة ؛ فكيف بنقض العهد مع الله؟! لذا يشتد غضب الله على هذا المستهين بربه، فيضرب على قلبه القسوة والنفاق.
أعرف رجلا كان أبعد ما يكون عن الله، لكنه ابتُلي بمرض عضال، فصار المسجد بيته، والقرآن نطقه، وأقبل على الصلاة بعد أن هجرها دهرا، وأشرقت عيناه بدمع الندم بعد أن ولى زمان الجدب ؛ حتى شفاه الله وأخذ بيديه إلى العافية، فرجع إلى سابق عهده ناكثا مدبرا، دون أن يدرك قبح فعلته وهول غدرته، فماذا كانت النتيجة؟! تيه في دروب الحياة وقسوة أشد وبعدا أكثر عن ساحل النجاة، حتى يتوفاه الموت أو يجعل الله له سبيلا.
مختارات