توبة شاب مسلم اعتنق النصرانية
يقول هذا الشاب في رسالة وجّهها إليّ شخصياً:
أخي الفاضل...
إنّ لساني يعجز تماماً كيف يشكرك على كتابك القيّم الذي يغسل القلوب، ويغيّر النفوس، كتاب (العائدون إلى الله) الذي تحصّلت عليه من طريق أخلص وأوفى مؤسسّة، إنّها مؤسسة الحرمين الخيريّة، واللهِ لمّا قرأته تأثرت به كثيراً، وبكيت طويلاً، وتذكّرت ذنوبي الكثيرة.. فأنا لم أترك نوعاً من الفواحش إلا اقترفته، ولا ذنباً تتخيله إلا ارتكبته، من أصغر ذنب إلى أكبره وهو الكفر بالله، حيث أنّني في لحظة غضب وضعف وإغراء اعتنقت النصرانية. نعم، اعتنقت النصرانيّة، وذلك بسبب مشكلات عدّة كنت أعيشها.. ولا زلت أعيشها.. فأنا شاب في الحادية والعشرين من عمري، متحصّل على شهادة (مساعد محاسب) لكنّني بدون عمل، وهذا ما دعاني إلى اعتناق النصرانية، حيث إنّي أعيش مع عائلة محافظة متدينة كثيرة الأفراد، لكنّها بسيطة ومحتاجة إلى أبسط الضروريات.. أخي الأكبر متزوّج، وله ثلاثة أطفال، يعمل لدي عمّي في محلّ تجاري، وهو المعيل الوحيد لنا بعد الله، أمّا أبي فهو مريض بالسكّري، ضعيف الجسد، لا يقوي على العمل..
تخيّل عدداً كبيراً من الأفراد يعيش في بيت صغير ليس به سوى ثلاث غرف !! كلّ هذا وعائلتي راضية تماماً بهذه الحياة إلّا أنا وأخي الذي يكبرني بسنتين فلم نكن راضيين بمثل هذه الحياة.. لأنّ أقاربنا – وبخاصّة بني عمّنا – يعيشون في رفاهية تامّة، وطلبات أبنائهم أوامر تنفّذ على الفور إلا نحن، وهذا ما ولّد الغيرة والحسد في قلوبنا أنا وأخي، ولكي نحسّن من حالتنا المادية بحثنا عن عمل، لكنّ العمل غير متوفّر لأمثالنا، ومن العسير جدَاً أن نجد عملاً دون وساطة من أحد، أو تقديم رشوة.. وعند ما يئس أخي من الحصول على عمل، سلك طريق الحرام، وبدأ يتاجر بالمخدرات سرّاً دون علم أبي وأخي الأكبر، وأنا – يا لغبائي – كنت أشجعه على ذلك لأنّه كان يعطيني بعض الأموال التي يجنيها.
واستمررت في البحث عن عمل زمناً طويلاً، ولكن دون جدوى.. وفي يوم لا أنساه أصيبت والدتي الحبيبة بالمرض الخبيث (مرض السرطان)، فقد أنشب أظفاره بجسدها، فلم يمهلها سوى ستّة أشهر، وتأثّرتُ بموتها كثيراً، واشتدّ الغضب في نفسي، واسودّت الدنيا في عيني، واشتعل القلب غيظاً، ولعنتُ اليوم الذي تزوّجت فيه أمّي بأبي الفقير، ولعنت اليوم الذي وُلدتُ فيه ()، فوالله ما كنت أبحث عن عمل إلّا من أجل والدتي، لكي أعوّضها ما حُرَمَتْ منه، حيث إنّها – رحمها الله – لم تعش حياتها مثل باقي زوجات أعمامي أو باقي الأمّهات.. لقد كانت محرومة من كلّ شيء، كانت لا تأكل طعاماً حتّى تتأكّد أنّنا جميعاً قد أكلنا، وفي بعض الأحيان تنام على لحم بطنها، لأنها لم تجد ما تأكله، وكانت لا تشتري لنفسها أيّ شيء حتّى تتأكّد أنّه لا ينقصنا أيّ شيء، مع العلم أنّه ينقصنا كلّ شيء.. صدّقني، وأقسم لك بالله العظيم أنّها كانت تلبس بعض الألبسة التي كانت لديها منذ الاستعمار الفرنسي.. !
ولقد كان موتها قبل أن أحقّق لها ما كنت أحلم به لها وأعدها من أسباب ما تولّد في نفسي من الحقد والكره لأعمامي الأغنياء، الذين لم يساعدونا أبداً، وهم يعلمون بحالنا، وكرهت حتّى أبي الذي لم يكن مهتماً بأمّي رحمها الله، ولم يكن يبالي بحالها الذي يرثى له حتّى إنّه بعد موتها اعترف بأنّه كان مقصّراً في حقها...
المهمّ أنّني بعد موت والدتي خرجت أبحث عن عمل، وكالعادة لم أجد، لكنّي لم أيأس، وفي يوم من الأيّام ذهبت إلى مؤسّسة وطنية لأبحث عن وظيفة، ودخلت على مدير المؤسّسة، وبمجرّد دخولي عليه نظر إليّ نظرة غريبة من الأعلى إلا الأسفل، ورحّب بي ترحيباً لم أكن أتوقّعه، ظننت في البداية أنّه يعرفني أو يعرف أحداً من عائلتي، ولكنّ ظنّي كان خاطئاً، وسرعان ما كشف عن نواياه الخبيثة، حتى بدأ يتكلّم عن شكلي، وعن وسامة وجهي، وأمور يستحي المرء من ذكرها، وفهمت ما يريد، وكان الأمر كما فهمت، فقد بدأ يساومني كالشاة في جسدي مقابل المال والعمل، فلم أتمالك نفسي حتّى شتمته وأسمعته ما يكره، وربّما ما لم يسمع في حياته كلّها..وخرجت وقلبي يملؤه الحسرة والألم، والدموع تنهال على خدّي.. وفي اليوم نفسه التقيت بصديق أخي الذي يتاجر بالمخدرات، فاستفسر عن حالي، فأخبرته بكلّ ما حدث، ودار حوار بيني وبينه، فاقترح عليّ مراسلة إحدى الإذاعات النصرانية المعروفة، وطلب المساعدة منهم، ومن خلال كلامه عنها أحسست بأنّه على علاقة بها، وأنّه قد اعتنق النصرانيّة، وهذا من خلال التغيّر الذي طرأ عليه، المهمّ أنّي أخذت منه عنوان تلك الإذاعة، وراسلتها طالباً المساعدة، ورويت لهم كلّ ما حدث لي بسبب العمل، وحالتنا الماديّة المزرية، وبعد مدّة قصيرة وصلني الردّ منهم، حاملاً في طيّاته كل معاني الترحيب والقبول ! واستمرّت المراسلات بيننا والمكالمات الهاتفية، وأرسلوا لي عدّة مطبوعات وكتب تنصيريّة، ثمّ جاءت الرسالة التي طلبوا منّي فيها اعتناق النصرانيّة، والالتحاق بمدرسة روحية في فرنسا لدراسة الدين النصراني، ووعدوني بأن يتكفّلوا بجميع مصاريف إقامتي ودراستي هناك، وبدون تردّد قبلت، وأعلنت عن دخولي في النصرانيّة، لأنّني سئمت البطالة والفقر والحرمان، وفي ظني أني لو بقيت عشرين سنة إلى الأمام لن أجد عملاً.
واكتشفت عائلتي الأمر، وعارضتني بشدّة، حتّى أخي الذي يتاجر بالمخدّرات عارض فكرتي، وبما أنّني كنت سأفعل هذا من أجلهم تردّدت قليلاً، لأنّهم أشاروا عليّ أن أطلب المساعدة من المسلمين، وبخاصّة دول الخليج العربيّ، فهي دول غنيّة، وتحتاج دائماً إلى العمالة الأجنبيّة، وتحصّلت على بعض العناوين، وراسلت بعض الشخصيّات الإسلامية لمساعدتي في إيجاد عقد عمل، كما راسلت عدّة مجلات إسلاميّة، وعدّة شركات، ومؤسسات، ومصانع، وفنادق، وعائلات، ورجال أعمال في كلّ دولة خليجيّة، وكنت أطلب عقد عمل ولو خادم يقوم بكلّ شيء، ولكن للأسف لم أتلقّ أي ردّ منهم !! أكثر من خمسين رسالة أرسلتها، ولكن لم يتفضل أحد منهم للردّ على رسائلي ولو بكلمة واحدة، مع أنّني كنت أكتب لهم وأشرح لهم ظروفي العائلية الصعبة، وأرفق مع كلّ رسالة شهادة تثبت حالتنا الاجتماعيّة، وصوري، حتّى سئمت المراسلة وإخراج الوثائق من دار البلديّة..
هذا الموقف زاد من تمسّكي بقرار اعتناق النصرانيّة، والسفر إلى فرنسا لأرتاح من الهمّ الذي أعيش فيه، وبدأت في إجراءات استخراج التأشيرة من القنصلية الفرنسيّة التي كانت صعبة جداً، ويشاء الله عزّ وجلّ أن أجد عنوان مؤسسة الحرمين الخيريّة، كنت أظن أنّها تساعد الفقراء والمحتاجين من خلال اسمها، لكنّها ساعدتني فيما هو أهمّ من ذلك، وأهمّ من العمل والمال والسفر، لقد ساعدتني في أن أعود إلى رشدي وديني، وتمّت توبتي على يديها، عن طريق ما تبعثه من رسائل وكتب، ومنها كتاب العائدون إلى الله، وبدأت أتغيّر يوماً بعد يوم، وأحسّت الإذاعة النصرانية بهذا التغيّر لأنّي لم أعد أراسلها، ولا أردّ على رسائلهم ومكالماتهم الهاتفيّة، ولكنّهم لم يتركوني في حالي، وشنّوا عليّ الحرب عن طريق رسائلهم التي كانت تحتوي على المطبوعات النصرانيّة، وبعض الإغراءات التي أشعر بالضعف أحياناً عند قراءتها، لكن أنّى لهم أن يستطيعوا زعزعة إيماني وعقيدتي بالله الواحد الأحد).
مختارات