حكم الاجتماع للذكر
هذه مسألة من المسائل التى تلتبس على كثيرين، قد اختلف العلماء فى حكم الاجتماع للذكر وقراءة القرآن على قولين: القول الأول
أنَّ الاجتماع للقراءة والذكر مستحبٌ، سواء فى مسجد أو فى مدرسة أو فى مكــان من الأماكن يجتمع فيه الناس على طاعة الله عز وجل، كشأن مثلاً مقرأة من المقــارئ أو مجلس علمٍ من المجالس أو يجتمع البعض يُذَكِّر كلٌ الآخر بما فى السنة المطهـرة من أحاديث فى فضـائل الأعمال أو نحوٍ من ذلك، القائلون بأنَّ هذا الاجتماع مستحبٌ هـم الجمهور؛ جمهــور الحنفية والشافعية والحنابلة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال كما هو موجـــودٌ فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثانى والعشرين صفحة رقم 520: 521 وكذا فى كتابه اقتضاء الطراط المستقيم، قال " أنَّ الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عملٌ صالح، وهو من أفضل القربات والعبادات فى الأوقات، لكن ينبغى أن يكون هذا أحياناً فى بعض الأوقات والأمكنة فلا يُجعل سنة راتبة يحافظ عليها " حتى لا يُفهم من هذا كلام شيخ الإسلام انتهى كلامه إلى هنا، أرى بذلك ألا يُفهم من هذا التقييد المكانى أو الزمانى أن يُفهم منه مزيةٌ معينة، فلا ينبغى أن يكون كذلك حتى لا يُطن أن هذه سنة راتبة ينبغى المحافظة عليها، بل يُخالف الإنسان ذلك فى بعض الأوقات خروجاً من الخلاف هاهنا. هناك أحاديث وردت بالترغيب فى اجتماع الناس لمثل ذلك، كقول النبى صلى الله عليه وسلم " وما اجتمع قومٌ فى بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " والحديث فى الصحيح كما تعرفون، وكقول النبى صلى الله عليه وسلم " لمَّا خرج على حلقة من أصحابه فقال مــا أجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا "، انظروا إلى حلقات الصحابة، فهل نجتمع يا معاشر الأحبة على مثل ذلك؟ ما أجلســنا؟ " جلسنا نحمد الله تعالى ونذكره على ما هدانا للإسلام وعلى ما منَّ به علينا، فقال: أتانى جبريل، فأخبرنى أنَّ الله عز وجل يباهى بكم الملائكة ". هذا الحديث حديثٌ رواه الإمام مسلم فى كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن،
وجه الدلالة واضح أنَّ هؤلاء الصحابة لمَّا اجتمعوا على الذكر باهى الله بهم الملائكة. وكذا الحديث الذى رواه البخارى ومسلم؛ أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أنَّ لله تبــارك وتعالى ملائكة يطوفون فى الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله، تنادَوا هلموا إلى حاجتكم، قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال فيسألهم ربـهم عز وجل وهو أعلم منهم ما يقـول عبادى؟ قال فيسبحونك ويكبرونك ويحمـــدونك ويمجدونك، قال فيقول هل رأونى؟ قال فيقولون والله مـا رأوك، قال فيقــول كيف لو رأونى؟ قال يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثـر لك تسبيحا، قال فيقول وما يسألوننى؟ قال يسألونك الجنة، قال يقول وهل رأوها؟ قال يقولـون لا، والله يارب ما رأوها، قال فيقول فكيف لو أنهم رأوها؟ فيقـولون لو أنهم رأوها، كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة "، إلى آخر هذا الحديث. وجملة هذه الأحاديث الثلاثة تدل على فضل الاجتماع لقراءة القرآن وذكر الرحمن سبحانه.
القول الثانى فى المسألة قولٌ آخر، ذُكِرَ أنَّ الإمام مالك كان يذهب إليه ورُوِىَ أنه رجع عنه، وهو القول بأنه مكروه، ولعله أراد أنه مكروه على الصفة المبتدعة التى هى كصورة من يقول بصوتٍ واحد (يعنى أن يقولوا تسبيحاتٍ بصوتٍ واحد وتحميدات... الله أكبر كذا الله.. ويدعون بصوتٍ أن يقرأ واحد ثم يقرأ الثانى فقد قال الإمام مالك بجوازها ونقل ذلك الدسوقى فى حاشيتة. واستدلوا بأنه خلاف العمل، يعنى استدل من قال بالكراهة بأنه خلاف العمل، يعنى أنَّ فيه مخالفة لما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم، ويُقال لهم نعم هو خلاف العمل إذا اقترن ببدعةٍ لم ترد عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك فمن قال بالجواز ومن ذهب لا إلى الجواز بل إلى الاستحباب؛ استحباب هذه الاجتماعات، قيد هذا بأن لا تقترن هذه الاجتماعات ببدعةٍ إضافية لم ترد عن الرسول خير البرية صلى الله عليه وسلم. ا
نظروا إلى كلام الشاطبى فى الاعتصام وهذا من أهم الكتب التى تتكلم عن ضوابط البدعة، الشاطبى يقول إذا اجتمع القوم على التذكر لنعم الله أو التذاكر فى العلم؛ إن كانوا علماء وطلبة علم أو كان فيهم عالم وجلس إليه متعلمون أو اجتمعوا يذكر بعضهم بعضاً ويُذَكِّر بعضهم بعضاً بالعمل بطاعة الله والبعد عن معصيته وما أشبه ذلك مما كان يُعمل به على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ومما كان يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه وعمل به الصحابة والتابعون وعمل به، وعمل به الصحابة والتابعون وعمل به، هذه المجالس كلها مجالس ذِكر وهى التى جاء فيها من الأجر ما جاء. إذاً الاجتمــاع لتلاوة القرآن ومدارسته بأن يقرأ أحدهم ويستمع الباقون، ويتدارسون ما يقرأون، ويتفهمون المعانى هذه قربى يحبها الله عز وجل ويجزى عليها الجزاء الجزيل، فلا يُقال هاهنا بابتداع ولا مثل ذلك.
شرح الوابل الصيب للشيخ هانى حلمى
مختارات