انواع الذكر
ينبغي أن يعلم هنا أن ذكر الله جلّ وعلا ليس هو مجردَ التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير نعم هذا أجل الذكر وأفضله لكن ذكر الله عز وجل ليس منحصرا في هذا بل ذكر الله جلّ وعلا يتناول أنواعا مهمة جاء تبيانها وإيضاحها في كتاب الله جلّ وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكلها داخلة في الذكر لله تبارك وتعالى وهي في الجملة عباد الله ترجع إلى أربعة أنواع فتنبهوا لها رعاكم الله.
أما النوع الأول في ذكر الله تعالى فهو بإنشاء الثناء عليه تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ثناء وتمجيدا وتقديسا وتنزيها ومن ذلكم عباد الله الكلمات الأربع التي وصفهن عليه الصلاة والسلام بأنهن أحب الكلام إلى الله وقال في حديث آخر لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وكل ذكر مأثور وثناء وارد في القرآن والسنة على الله جلّ وعلا فهو داخل في هذا النوع.
النوع الثاني عباد الله الإخبار عن الله تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته فهذا ذكر لله تعالى وأي ذكر، ذكر لله تبارك تعالى عظيم أن تذكره سبحانه بذكر أحكام أسمائه وصفاته فالإخبار عن الله بأنه يسمع ويرى يسمع أصوات العباد ويرى أعمالهم ويعلم أحوالهم وأنه تبارك وتعالى يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات وأنه أرحم بالناس من آبائهم وأمهاتهم وأنه يغفر السيئات ويقيل العثرات ويجبر الكسير ويغيث الملهوف إلى غير ذلك من الإخبار عنه جلّ وعلا فكل ذلك ذكر له سبحانه وبهذا نعلم عباد الله أن كتب العقائد المؤلفة على نهج أهل السنة كلها كتب ذكر لله جل وعلا فهي ذكر لله بمعرفته ومعرفة عظمته ومعرفة جلاله وكماله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا فكل ذلك ذكر لله تبارك وتعالى.
النوع الثالث عباد الله ذكر الله تبارك وتعالى بذكر أمره ونهيه والإخبار عنه جلّ وعلا بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا وأحل كذا وحرم كذا ورضي هذا وسخط ذاك فكل ذلك ذكر لله جلّ وعلا قال عطاء الخراساني رحمه الله مجالس الحلال والحرام مجالس ذكر لله كيف تصلي كيف تصوم كيف تحج كيف تبيع وتشتري كيف تنكح وتطلق وأشباه ذلك كل ذلك ذكر لله تبارك وتعالى بذكر أمره جلّ وعلا ونهيه وبهذا نعلم عباد الله أن الكتب المؤلفة في بيان الأحكام وفقه الشريعة وبيان الأعمال وفروع الأعمال كل هذه الكتب ذكر لله جلّ وعلا فمذاكرتها ومدارستها وتعلم الأحكام الواردة فيها كل ذلك من إقامة ذكر الله جلّ وعلا.
النوع الرابع عباد الله ذكر الله تبارك وتعالى عند أمره ونهيه فاذكره جلّ وعلا عند أمره لتفعل المأمور وتذكره جلّ وعلا عند نهيه لتترك المنهي وتجتنبه وهذا عباد الله يبن لكم خللا يقع فيه كثير من الناس ألا وهو أنهم يذكرون الله بذكر أمره ونهيه فيعلمون أنه أمر بكذا فلا يفعلونه وأنه نهى عن كذا فيقترفونه وذلك لقلة وضعف ذكرهم لله عند أمره ونهيه سبحانه فإذا قام بقلب المسلم ذكر لله تعالى عند الأوامر والنواهي يعظم إقباله على الله عز وجل طاعة وتذللا وخشوعا وخضوعا وانقيادا وامتثالا وحظ العبد من ذلك بحسب حظِّه من الذكر لله جلّ وعلا عباد الله فهذه أنواع أربعة لذكر الله جلّ وعلا مبينة في كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وكلها من إقامة ذكر لله عز وجل وقد أوضح هذه الأنواع إيضاحا عظيما وبينها بيانا شافيا وافيا الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب وهو كتاب عظيم النفع كبير الفائدة لا يستغني عنه كل مسلم وقد ذكر رحمه الله عقب بيانه لهذه الأنواع أن من ذكر الله عز وجل بها فقد أتى بأفضل الذكر و أعظمه وأجله جعلنا الله جميعا من الذاكرين له حقا ومن الشاكرين له صدقا ومن العاملين بطاعته على ما يحب سبحانه
مختارات