فقه الاستفادة من الإيمان (١)
قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل: ٩٧].
وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)} [التوبة: ٧٢].
الله تبارك وتعالى هو الغني وحده لا شريك له، وخزائن كل شيء عنده، وخزائنه مملوءة بكل شيء، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويطعم من يطيعه ومن يعصيه، ويرحم من استرحمه، ويغفر لمن استغفره، ويعطي من سأله، ويجيب من دعاه، ويغيث من استغاثه، ويتقرب إلى من تقرب إليه، وهو الغني الحميد.
غافر الذنوب، وساتر العورات، وكاشف الكربات، وفارج الهموم، وشافي الأمراض، وهادي الضال، ومعافي كل مبتلى، وميسر كل عسير، وواهب كل نعمة، ودافع كل نقمة.
وهو سبحانه الذي خلق الخلائق، وخلق الأرزاق، وخلق الأحوال، وقسم الأرزاق، وقدر الآجال، وله خزائن السموات والأرض كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧)} [المنافقون: ٧].
وجميع المخلوقات والكائنات، وكل الأرزاق والنعم، وكل شيء في هذا الكون خزائنه عند الله كما قال سبحانه: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)} [الحجر: ٢١].
فكل شيء خزائنه عند الله:
خزائن الأرزاق.
خزائن النعم.
خزائن الطعام.
خزائن المياه.
خزائن الحبوب.
خزائن الثمار.
خزائن النبات.
خزائن الأشجار.
خزائن الحيوان.
خزائن الرياح.
خزائن النجوم.
خزائن المعادن.
خزائن الذهب.
خزائن الفضة.
خزائن الحديد.
خزائن العزة.
خزائن الرحمة.
خزائن الهداية.
خزائن النعيم.
خزائن العذاب.
خزائن الحكمة.
خزائن العلم.
خزائن القوة.
خزائن النور.
خزائن السمع.
خزائن البصر.
خزائن العقول.
وخزائن كافة المخلوقات في العالم العلوي والسفلي.
وفي الدنيا والآخرة.
كلها في قبضة الله.
وبيد الله وحده لا شريك له.
وللاستفادة من خزائن الله هناك طريقان:
طريق الأموال والأسباب.
وطريق الإيمان والأعمال الصالحة.
فالأول لعموم البشر، والثاني خاص بالمؤمنين.
فكل مسلم بقدر إيمانه وأعماله الصالحة يستفيد من خزائن الله.
وأكثر المسلمين اليوم يستفيدون من خزائن الله بواسطة الأسباب، لا بواسطة الأعمال.
وبسبب ضعف الإيمان نقدم الأسباب على الأعمال، وهذا بسبب الخسارة في الدنيا والآخرة، فالواسطة بين المؤمنين وربهم هي الأعمال لا الأسباب كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦].
وجميع الأنبياء جاءوا ليدلوا الناس على الاستفادة من قدرة الله بالإيمان والأعمال الصالحة.
والله عزَّ وجلَّ أعطانا الأسباب التي نستفيد بها من قدرة الله وهي الإيمان والأعمال.
وأعطانا الأسباب الظاهرية ابتلاء من الله، ليعلم من يعتمد عليها ممن يعتمد على الله في حصول المطلوب.
فأحياناً تفعل، وأحياناً لا تفعل، حسب أمر الله الذي خلقها.
فيحصل الشفاء بالدواء، والشبع بالأكل، والري بالشرب، والنبات بالماء وهكذا.
وهذا كله ابتلاء من الله يحصل أمام العبد، والمطلوب نفي هذه الأشياء، وإثبات اليقين على الله وحده.
وإذا جاء اليقين على الأسباب والأشياء، اعتمد عليها الإنسان، فكانت سبباً لهلاكه كما حصل لفرعون الذي اعتمد على ملكه، وكما حصل لقارون الذي اغتر بماله.
وكما حصل لقوم نوح الذين اغتروا بكثرتهم، وكما حصل لقوم عاد الذين اغتروا بقوتهم، وكما حصل لقوم ثمود الذين اغتروا بصناعتهم، وغيرهم ممن طغى وتجبر وأفسد في الأرض.
وإذا كان اليقين على الله وحده لم يلتفت الإنسان إلى الأسباب، لأن الله معه، وإذا كان الله معه فلا يحتاج إلى أحد، سواء كانت عنده الأسباب، أم ليست عنده الأسباب.
فالله يعطي وينصر ويعز بالأسباب.
وبدون الأسباب.
وبضد الأسباب.
وهو على كل شيء قدير.
فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله؟.
وكم من نبي نصره الله على أعدائه مع كثرتهم وقوتهم؟.
وكم من ذليل فقير أعزه الله بالإيمان وليس معه من الأسباب شيء؟.
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)} [آل عمران: ١٢٣].
وكلما تبدل اليقين وصار على الأسباب لا على الله أرسل الله نبياً يرد الناس إلى (لا إله إلا الله).
فإذا جاء اليقين الصحيح على الله الذي بيده كل شيء، لم يلتفت الإنسان إلى الأسباب، بل يؤمن بها، ويفعلها ولا يعتمد عليها، بل يعتمد على الله وحده.
فيذهب إلى العمل.
ويأكل الطعام.
ويشرب الدواء.
ويعد القوة.
ويبذر الحب.
امتثالاً لأمر الله في هذه الأشياء.
فالأسباب نفعلها.
ولا نتوكل إلا على الله وحده.
فكل المخلوقات محتاجة في وجودها إلى الله.
ومحتاجة في بقائها إلى الله.
ومحتاجة في تأثيرها إلى الله.
فهي لا تنفع ولا تضر إلا بإذن الله.
وكل ما في الكون ملك لله يعطي منه من يشاء، ويسلبه إذا شاء كما قال سبحانه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)} [آل عمران: ٢٦].
والماء والنار والرياح مخلوقات عظيمة ولكن ليس بيدها شيء، وهي في قبضة الله، يصرفها كيف يشاء هي وجميع الكائنات في السماء والأرض.
إن أمرها الله بالنفع نفذت أمر الله.
وإن أمرها بالضر نفذت أمر الله.
وهي عبيد من عبيده سبحانه، لا تعصي له أمراً.
ولا تملك إلا الطاعة لفاطرها ومبدعها: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤)} [مريم: ٩٣، ٩٤].
فالخلق كله والأمر كله لله وحده لا شريك له: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٥٤)} [الأعراف: ٥٤].
فالله على كل شيء قدير.
إن شاء أنزل الماء بالسنة الجارية، كما ينزل من السحاب.
وإن شاء أخرجه بضد الأسباب.
كما فجره عيوناً من الحجارة اليابسة لموسى - صلى الله عليه وسلم - وقومه.
مختارات

