أهل الغفلة..
يقول الإمام أبو عبد الله ابن قيم الجوزية رضي الله عنه في كلام جليل شريف:
وقوله: ولا يصبر على صحبة ضد.
الضد عند القوم: هم أهل الغفلة، وقطاع طريق القلب إلى الله.
وأضر شيء على الصادق: صحبتهم، بل لا تصبر نفسه على ذلك أبدا، إلا مع ضرورة.
وتكون صحبتهم له في تلك الحال بقالبه وشبحه، دون قلبه وروحه.
فإن هذا لما استحكمت الغفلة عليه كما استحكم الصدق في الصادق: أحست روحه بالأجنبية التي بينه وبينهم بالمضادة، فاشتدت النفرة، وقوي الهرب.
وبحسب هذه الأجنبية وإحساس الصادق بها: تكون نفرته وهربه عن الأضداد.
فإن هذا الضد إن نطق أحس قلب الصادق: أنه نطق بلسان الغفلة، والرياء والكبر، وطلب الجاه.
ولو كان ذاكرا أو قارئا، أو مصليا أو حاجا، أو غير ذلك.
فنفر قلبه منه.
وإن صمت أحس قلبه: أنه صمت على غير حضور وجمعية على الله، وإقبال بالقلب عليه، وعكوف السر عليه.
فينفر منه أيضا.
فإن قلب الصادق قوي الإحساس.
فيجد الغيرية والأجنبية من الضد.
ويشم القلب القلب كما يشم الرائحة الخبيثة، فيزوي وجهه لذلك، ويعتريه عبوس، فلا يأنس به إلا تكلفًا، ولا يصاحبه إلا ضرورة.
فيأخذ من صحبته قدر الحاجة، كصحبة من يشتري منه، أو يحتاج إليه في مصالحه، كالزوجة والخادم ونحوه.
مختارات