اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا..
من المقرر في قواعد الإيمان أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا ينطق عن الهوى، وأنه ﷺ أُوتِي جوامع الكلم، وأن ألفاظه المباركة لا يحيط بدقائق معانيها وكنوز أنوارها إلا ربه الذي اصطفاه وعلَّمه سبحانه وبحمده!
فإذا علمت هذا، فصحبته في دَرْك ألفاظه الشريفة ومعانيها المنيفة، فرأيته ﷺ يعلمنا الاستعاذة من شر النفس في أحاديث متعددة، وفقهت معنى الاستعاذة وما في أطوائها من الفرار إلى الله تعالى واللياذ به، والاعتصام بحفظه وإجارته، والاحتماء بكفايته ووقايته=
علمت ما وراء ذلك من ضراوة النفس وشدة عدائها، وأنها تتلون على صاحبها، وتشرد كالخيل الشموس، وتطغى فتتكبر، وتتلوى أمام الأمر والنهي، وتُحسن في خفاء محالفة الشيطان ومعاونته، والاستتار بذلك في غيبة يقظة صاحبها!
فلو تُرِكت وحدها لهرولت في خفة الفراش إلى جاحمة النار، تحسبها نورا!
وهذا الذي حكيت لك من شرها في جنب ما تركته يسير قليل!
لذلك كان سيد الأولين والآخرين ﷺ يعلمنا فيقول: اللهم آتِ نفسي تقواها، زكِّها ( أنت) خير من زكاها، (أنت) وليها ومولاها!
وهذا دعاء عليه سيماء الفقر التام والإقرار بالضعف والعجز، وأنه لا صلاح لتلك النفس إلا بالله، ولا هداية إلا بالله، وأنه لا يقدر على هذا إلا الله تبارك اسم ربنا وتقدس!
ومن فقه هذا وتحقق به، خفَّ عنده الانتصار لنفسه، وكيف ينصر عاقلٌ من لا آفة إلا منه!
فهي التي سولت -في معية الشيطان ودخن الأهواء -ذنوبا وأهوالا، وحجبت صاحبها عن الخيرات، وأقامت سوق الخصومات، وشر بقاع الأرض الأسواق!
وما أشد ضراوتها تنتصر للهوى وتتخذ من الشرع جُنَّةً، فتقول: إنما فعلي لله وقولي لله، وعملي لله، وغضبي لله وتدريسي لله ومذاكرتي لله!
ولا والله!
إنها لكذوب!
ولو كان العمل لله والغضب لله لقل كثير مما نرى من أنفسنا ونراه في الناس من صور البغي والكبر والعجب!
ولو اشتغل الإنسان بالاستغاثة والاستعاذة والاستعانة من تلك الظلوم، واجتهد مستعينا في تهذيبها وفطمها عن الزيغ والهوى=لكانت مشكاة جمال مطمئنة راضية، ترحم الناس، وتنتصر لله، وتدل على مراده ومراد رسوله ﷺ !
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا!
مختارات