أبو العِرّيف والقصر المنيف
قصر كلّه فخامة.. جدرانه من ذهب وأبوابه من فضّة ونوافذه من ماس !
قام بتصميمه أحذق المهندسين.. ونفّذ نقوشات سقوفه وجدرانه أبدع الفنانين.. واعتنت باختيار وتنسيق أثاثه أشهر بيوتات الأثاث العالميّة..
مُترع بأغلى التحف.. وأندر اللوحات.. وأشهى المطعومات.. ويدار بأذكى وأنشط الخدم..
أعطي رجل كنيته "أبو العِرّيف" المفتاح وقالوا له: إن فتح هذا المفتاح هذا القصر.. فالقصر وكل ما فيه لك..
أخذ أبو العرّيف المفتاح.. ووضعه وهو مغمض العينين في منفذ المفتاح بباب القصر..
كانت نبضاته تشكّل ضوضاء وصخباً.. وسعادته ممزوجة بارتباك شديد خوفا من خيبة الأمل !
حرّك أبو العريف المفتاح.. وياللمفاجأة المُفْرحة.. انفتح باب القصر فهبّت نسائم الشذى.. وبرودة الحدائق.. وأصوات خرير السواقي..
دخل القصر الذي صار ملكه.. ومعه مفتاحه الثمين..
كانت لألآت المداخل والتحف تحييه.. وبريق الذهب يهتف له..
صفّ مديرو القصر مع الخدم يرحبون به ويقدمون له أشهى المطعومات والمشروبات والحلوى.. ولكنّ تصرّفاً غريبا بدر منه !
أخذ يبحث في كل صنف من الطعام عن منفذ للمفتاح..
وكلّما خاب سعيه في وجود ذاك المنفذ امتنع عن تناول الطعام..
علت علامات الاستفهام رؤوس الخدم ومديري القصر..
كرّر أبو العريف نفس الفكرة عندما همّ بالجلوس على أريكة في إحدى مجالس قصره الواسعة.. دار حول الأريكة باحثا عن منفذ للمفتاح !
فعل نفس الشيء مع غرف النوم وأسرّتها وبحيرات الحدائق وحتى أكواب المشروبات بحث فيها عن ذلك المنفذ..
في الأخير جاءه مدير شؤون القصر وقال له:
سيّدي.. المفتاح يدخلك القصر.. أما بقيّة مرافقه ومتعه فهي ملكك دون الحاجة إلى مفتاح..
نظر إليه بغضب وقال:
لا.. يجب أن يفتح المفتاح كل تفاصيل القصر الداخلية كما فتح بوابة القصر.. وإلا فلن أعتبر القصر قصري..
قالها بغضب.. وأخذ مفتاحه وخرج من القصر.. متنازلا عن كل ما فيه من متع وفخامة.. بسبب فكرته الغبيّة !
انتهت القصّة..
دعوني الآن أضع لكم بعض الخطوط لأوصّل بها بين المشبهات والمشبّه بها في قصة القصر الغريبة:
القصر هو الإسلام..
والباب هو محمد صلى الله عليه وسلم..
والمفتاح هو العقل..
وأبو العرّيف هو الشخص (العقلاني).. الذي يتساءل دائما: لماذا الله حكم بهذا الحكم؟.. لماذا الله قضى هذا الأمر ؟..
مهمة العقل هي أن يؤكد لك صدق الرسول فقط.. فإذا فعل العقل ذلك.. فيجب عليك أن تضع المفتاح/العقل في مكانه المخصص.. ثم تسلّم بجميع التفاصيل التي يخبرك بها الرسول !
إذا حاولت أن تُعمل عقلك في:
عذاب القبر..
وحد الرّدة..
وعقوبة الزاني المحصن..
والحجاب..
وعدالة الصحابة..
وغير ذلك من أحكام وأخبار الشريعة فأنت كمن يحاول أن يستخدم مفتاح القصر في أكل حلوى أو جلوس على أريكة أو الرقود على سرير..
يكفي العقل أنّه قال لك:
هذا النبي صادق في كل ما جاء به عن ربّه..
بعد هذا ما عليك إلا أن تقول:
سمعنا وأطعنا..
ولا تنس أن أول صفة للمؤمنين في القرأن الكريم هي:" الذين يؤمنون بالغيب "..
إذا أخذت تُعمل عقلك في حد الزاني وحكم المرتد والحكمة من عدد الركعات وأوقات الصلوات ومعقولية اليوم الآخر.. فأخبرني ماذا أبقيت لنفسك من صفة " يؤمنون بالغيب " ؟
أخي: أخشى لكثرة بحثك عن منافذ لعقلك في أحكام الشريعة أن يأتي يوم تترك ذلك القصر/الإسلام.. وتخرج منه غاضبا.. سعيدا بمفتاحك/عقلك.. الذي لم تعرف ما هي مهمّته الحقيقيّة.. وتكون أنت أبو العرّيف الذي لم يخسر القصر.. بل خسر جنة عرضها السماوات والأرض..
مختارات