فوائد من كتاب منهاج السنة النبوية
A
حكمــــــة
وأما الحرب التي كانت بين طلحة والزبير وبين علي ؛ فكان كل منهما يقاتل عن نفسه ظاناً أنه يدفع صول غيره عليه، لم يكن لعلي غرض في قتالهم ولا لهم غرض في قتاله، بل كانوا قبل قدوم علي يطلبون قَتَلَةَ عثمان، وكان للقتلة من قبائلهم من يدفع عنهم فلم يتمكنوا منهم، فلما قدم علي وعرّفوه مقصودهم، عرّفهم أن هذا أيضاً رأيه، لكن لا يتمكن حتى ينتظم الأمر، فلما علم بعض القتلة ذلك، حمل على أحد العسكرين، فظن الآخرون أنهم بدأوا بالقتال، فوقع القتال بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين، ثم وقع قتال على الملك، فلم يكن ما وقع قدحاً في خلافة الثلاثة.
حكمــــــة
ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأعداء الإسلام المرتدين كبني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب، ويقولون: إنهم كانوا مظلومين، كما ذكر صاحب هذا الكتاب، وينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم أرض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه. ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة، كما يفعلونه في الصورة التي يقدِّرون فيها صورة عمر من الجبس أو غيره.
وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسياً من عباد النيران، وكان مملوكاً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء، وعليه خراج للمغيرة كل يوم أربعة دراهم، وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة، وإذا رأى سبيهم يقدم إلى المدينة، يبقى في نفسه من ذلك.
وقد روى أنه طلب من عمر أن يكلم مولاه في خراجه فتوقف عمر، وكان من نيته أن يكلمه، فقتل عمر بُغضاً في الإسلام وأهله، وحباً للمجوس، وانتقاماً للكفار، لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم وقتل رؤساءهم وقسم أموالهم، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسياً من عباد النيران، وكان مملوكاً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء، وعليه خراج للمغيرة كل يوم أربعة دراهم، وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة، وإذا رأى سبيهم يقدم إلى المدينة، يبقى في نفسه من ذلك.
وقد روى أنه طلب من عمر أن يكلم مولاه في خراجه فتوقف عمر، وكان من نيته أن يكلمه، فقتل عمر بُغضاً في الإسلام وأهله، وحباً للمجوس، وانتقاماً للكفار، لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم وقتل رؤساءهم وقسم أموالهم، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
حكمــــــة
و أما ما نقله من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك.
ولهذا يقولون: هو كحاطب ليل.
وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح و الضعيف.
ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئاً من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميز بين السنة و البدعة في كثير من الأقوال.
ولهذا يقولون: هو كحاطب ليل.
وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح و الضعيف.
ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئاً من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميز بين السنة و البدعة في كثير من الأقوال.
حكمــــــة
وهكذا كثير ممن صنَّف في فضائل العبادات وفضائل الأوقات، وغير ذلك: يذكرون أحاديث كثيرة وهي ضعيفة، بل موضوعة باتفاق أهل العلم، كما يذكرون أحاديث في فضل صوم رجب كلها ضعيفة، بل موضوعة عند أهل العلم.
ويذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة منه، وألفية نصف شعبان، وكما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال، وفضائل المصافحة والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك، و يذكرون فيها صلاة.
وكل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه.
ويذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة منه، وألفية نصف شعبان، وكما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال، وفضائل المصافحة والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك، و يذكرون فيها صلاة.
وكل هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه.
حكمــــــة
وقد تنازع الناس في آل محمد: من هم ؟ فقيل: هم أمته. وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد و غيرهم.
وقيل: المتقون من أمته. ورووا حديثاً (آل محمد كل مؤمن تقي) رواه الخلاّل و تمّام في الفوائد له، وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، وهو حديث موضوع. وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد هم خواصّ الأولياء، كما ذكر الحكيم الترمذي.
والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا هو المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم. لكن هل أزواجه من أهل بيته ؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد: أحدهما: أنهن لسن من أهل البيت. ويُروى هذا عن زيد بن أرقم. والثاني: هو الصحيح أن أزواجه من آله.
فانه قد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه علّمهم الصلاة عليه (اللهم صل على محمد وأزواجه و ذريته) ولأن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله و أهل بيته.
وقيل: المتقون من أمته. ورووا حديثاً (آل محمد كل مؤمن تقي) رواه الخلاّل و تمّام في الفوائد له، وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، وهو حديث موضوع. وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد هم خواصّ الأولياء، كما ذكر الحكيم الترمذي.
والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا هو المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم. لكن هل أزواجه من أهل بيته ؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد: أحدهما: أنهن لسن من أهل البيت. ويُروى هذا عن زيد بن أرقم. والثاني: هو الصحيح أن أزواجه من آله.
فانه قد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه علّمهم الصلاة عليه (اللهم صل على محمد وأزواجه و ذريته) ولأن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله و أهل بيته.
حكمــــــة
وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب، ولا أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب. فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في الأمة متقبل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين، ومن فعل ما يكفّر سيئاته دخل في المتقين، كما قال (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً).
حكمــــــة
والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات. يبين ذلك أنه لم ينقل أحد أن علياً أوذي في مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي صلى الله عليه وسلم: تارة بالضرب وتارة بالجرح وتارة بالقتل. فمن فداه و أُوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ.
وقد قال العلماء: ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة، شاركه فيها غيره، بخلاف الصديق، فان كثيراً من فضائله - وأكثرها - خصائص له، لا يشركه فيها غيره.
وقد قال العلماء: ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة، شاركه فيها غيره، بخلاف الصديق، فان كثيراً من فضائله - وأكثرها - خصائص له، لا يشركه فيها غيره.
حكمــــــة
فالرافضة فيهم شبه من اليهود من وجه، وشبه من النصارى من وجه، ففيهم شرك وغلو وتصديق بالباطل كالنصارى، وفيهم جبن وكبر وحسد وتكذيب بالحق كاليهود.
وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع، تجدهم في نوع من الضلال ونوع من الغي فيهم شرك وكبر.
لكن الرافضة أبلغ من غيرهم في ذلك، ولهذا تجدهم من أعظم الطوائف تعطيلاً لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات، التي هي أحب الاجتماعات إلى الله، وهم أيضاً لا يجاهدون الكفار أعداء الدين، بل كثيراً ما يوالونهم ويستعينون بهم على عداوة المسلمين، فهم يعادون أولياء الله المؤمنين ويوالون أعداءه المشركين وأهل الكتاب.
وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع، تجدهم في نوع من الضلال ونوع من الغي فيهم شرك وكبر.
لكن الرافضة أبلغ من غيرهم في ذلك، ولهذا تجدهم من أعظم الطوائف تعطيلاً لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات، التي هي أحب الاجتماعات إلى الله، وهم أيضاً لا يجاهدون الكفار أعداء الدين، بل كثيراً ما يوالونهم ويستعينون بهم على عداوة المسلمين، فهم يعادون أولياء الله المؤمنين ويوالون أعداءه المشركين وأهل الكتاب.
حكمــــــة
وحديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) أضعف وأوهى، ولهذا إنما يعد في الموضوعات، وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي وبين أن سائر طرقه موضوعة، والكذب يعرف من نفس متنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يُبلّغ عنه العلم إلا واحد، فَسَدَ أمر الإسلام، ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلّغ عنه العلم واحداً، بل يجب أن يكون المبلّغون أهل التواتر، الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب.
حكمــــــة
وفي المسند عن علي رضي الله عنه قال: (كان إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كان أقرب إلى العدو منا).
والشجاعة تُفَسَّر بشيئين: أحدهما: قوة القلب وثباته عند المخاوف.
الثاني: شدة القتال بالبدن، بأن يقتل كثيراً، ويقتل قتلاً عظيماً.
والأول هو الشجاعة، وأما الثاني فيدل على قوة البدن وعمله.
وليس كل من كان قوي البدن كان قوي القلب، ولا بالعكس. ولهذا تجد الرجل الذي يقتل كثيراً ويقاتل إذا كان معه من يُؤَمِّنه، إذا خاف أصابه الجبن، وانخلع قلبه. وتجد الرجل الثابت القلب، الذي لم يقتل بيديه كثيراً ثابتاً في المخاوف، مقداماً على المكاره. وهذه الخصلة يُحتاج إليها في أمراء الحروب وقوّاده ومقدّميه أكثر من الأولى ؛ فإن المقدَّم إذا كان شجاع القلب ثابتاً، أقدم وثبت، ولم ينهزم، فقاتل معه أعوانه، وإذا كان جباناً ضعيف القلب ذلَّ ولم يقدم ولم يثبت، ولو كان قوي البدن.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة، التي هي المقصودة في أئمة الحرب، ولم يقتل بيده إلا أُبيّ بن خلف، قتله يوم أحد، ولم يقتل بيده أحداً لا قبلها ولا بعدها.
والشجاعة تُفَسَّر بشيئين: أحدهما: قوة القلب وثباته عند المخاوف.
الثاني: شدة القتال بالبدن، بأن يقتل كثيراً، ويقتل قتلاً عظيماً.
والأول هو الشجاعة، وأما الثاني فيدل على قوة البدن وعمله.
وليس كل من كان قوي البدن كان قوي القلب، ولا بالعكس. ولهذا تجد الرجل الذي يقتل كثيراً ويقاتل إذا كان معه من يُؤَمِّنه، إذا خاف أصابه الجبن، وانخلع قلبه. وتجد الرجل الثابت القلب، الذي لم يقتل بيديه كثيراً ثابتاً في المخاوف، مقداماً على المكاره. وهذه الخصلة يُحتاج إليها في أمراء الحروب وقوّاده ومقدّميه أكثر من الأولى ؛ فإن المقدَّم إذا كان شجاع القلب ثابتاً، أقدم وثبت، ولم ينهزم، فقاتل معه أعوانه، وإذا كان جباناً ضعيف القلب ذلَّ ولم يقدم ولم يثبت، ولو كان قوي البدن.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة، التي هي المقصودة في أئمة الحرب، ولم يقتل بيده إلا أُبيّ بن خلف، قتله يوم أحد، ولم يقتل بيده أحداً لا قبلها ولا بعدها.
حكمــــــة
في الصحيحين عن أبي هريرة قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين: أما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو أبثُّه لقطعتم هذا البلعوم) فإن هذا حديث صحيح، ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خص أبا هريرة بما في ذلك الجراب، بل كان أبو هريرة أحفظ من غيره، فحفظ ما لم يحفظه غيره.
وأبو هريرة أسلم عام خيبر، فلم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أقل من أربع سنين، وذلك الجراب لم يكن فيه شيء من علم الدين: علم الإيمان والأمر والنهي، وإنما كان فيه الإخبار عن الأمور المستقبلة، مثل الفتن التي جرت بين المسلمين: فتنة الجمل وصفّين، وفتنة ابن الزبير ومقتل الحسين، ونحو ذلك، ولهذا لم يكن أبو هريرة ممن دخل في الفتن.
ولهـذا قال ابن عمر: لو حدّثكـم أبو هريرة أنكم تقـتـلون خليفتكم، وتفعـلون كذا وكذا، لقلتم: كذب أبو هريرة.
وأبو هريرة أسلم عام خيبر، فلم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أقل من أربع سنين، وذلك الجراب لم يكن فيه شيء من علم الدين: علم الإيمان والأمر والنهي، وإنما كان فيه الإخبار عن الأمور المستقبلة، مثل الفتن التي جرت بين المسلمين: فتنة الجمل وصفّين، وفتنة ابن الزبير ومقتل الحسين، ونحو ذلك، ولهذا لم يكن أبو هريرة ممن دخل في الفتن.
ولهـذا قال ابن عمر: لو حدّثكـم أبو هريرة أنكم تقـتـلون خليفتكم، وتفعـلون كذا وكذا، لقلتم: كذب أبو هريرة.
حكمــــــة
ومما ينبغي أن يُعلم أن خوارق العادات تكون لأولياء الله بحسب حاجتهم، فمن كان بين الكفّار أو المنافقين أو الفاسقين، احتاج إليها لتقوية اليقين، فظهرت عليه كظهور النور في الظلمة.
فلهذا يوجد بعضها لكثير من المفضولين، أكثر مما يوجد للفاضلين، لحاجتهم إلى ذلك.
وهذه الخوارق لا تراد لنفسها، بل لأنها وسيلة إلى طاعة الله ورسوله، فمن جعلها غايةً له ويعبد لأجلها، لعبت به الشياطين، وأظهرت له خوارق من جنس خوارق السحرة والكهان، فمن كان لا يتوصل إلى ذلك إلا بها، كان أحوج إليها، فتكثر في حقه، أعظم مما تكثر في حق من استغنى عنها، ولهذا كانت في التابعين أكثر منها في الصحابة.
فلهذا يوجد بعضها لكثير من المفضولين، أكثر مما يوجد للفاضلين، لحاجتهم إلى ذلك.
وهذه الخوارق لا تراد لنفسها، بل لأنها وسيلة إلى طاعة الله ورسوله، فمن جعلها غايةً له ويعبد لأجلها، لعبت به الشياطين، وأظهرت له خوارق من جنس خوارق السحرة والكهان، فمن كان لا يتوصل إلى ذلك إلا بها، كان أحوج إليها، فتكثر في حقه، أعظم مما تكثر في حق من استغنى عنها، ولهذا كانت في التابعين أكثر منها في الصحابة.
حكمــــــة
فإن ذا الشرف إذا ألزم نفسه التقوى، كان تقواه أكمل من تقوى غيره،كما أن المَلِك إذا عدل، كان عدله أعظم من عدل الرجل في أهله. ثم إن الرجل إذا قصد الخير قصداً جازماً، وعمل منه ما يقدر عليه، كان له أجر كامل، كما قال النبي النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم) قالوا: وهم في المدينة ؟ قال (وهم بالمدينة حبسهم العذر).
حكمــــــة
ولهذا لم يُثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلاً: لا على ولد نبيّ، ولا على أبي نبيّ، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم. وإذا ذكر صنفاً وأثنى عليهم، فلما فيهم من الإيمان والعمل، لا لمجرد النسب، ولما ذكر الأنبياء -ذكرهم في الأنعام- وهم ثمانية عشر، قال (ومن آبائهم وذرياتهم وإخواتهم وأجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم) فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم، لا بنفس القرابة.
حكمــــــة
والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، كما في قوله تعالى (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم، فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة، لا يوافق أنه يقتل في الجهاد، ولهــذا أكثر القادرين على القتال يهــون على أحدهم أن يُقَاتِل، ولا يهــون عليه إخراج ماله. 8/230
وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم، فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة، لا يوافق أنه يقتل في الجهاد، ولهــذا أكثر القادرين على القتال يهــون على أحدهم أن يُقَاتِل، ولا يهــون عليه إخراج ماله. 8/230
حكمــــــة
وفي الصحيح عن عائشة قالت: يا رسول الله، أو معي شيطان ؟ قال (نعم) قالت: ومع كل إنسان ؟ قال (نعم) قالت: ومعك يا رسول الله ؟ قال: (نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم) والمراد في أصح القولين : استسلم وانقاد لي. ومن قال: حتى أسْلَمَ أنا، فقد حرّف معناه. ومن قال: الشيطان صار مؤمناً، فقد حرّف لفظه.
حكمــــــة
واعلم أنه ليس في المهاجرين منافق، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار؛ لأن أحداً لم يهاجر إلا باختياره، والكافر بمكة لم يكن يختار الهجرة، ومفارقة وطنه وأهله لنصر عدوه، وإنما يختارها الذين وصفهم الله تعالى بقوله: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون).
وقوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)، وأبو بكر أفضل هؤلاء كلهم.
وقوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)، وأبو بكر أفضل هؤلاء كلهم.
حكمــــــة
ولو انفرد الرجل في بعض الأمصار والأعصار بحق جاء به الرسول، ولم تنصره الناس عليه، فإن الله معه، وله نصيب من قوله (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَـارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فإن نصر الرسول هو نصر دينه الذي جاء به حيث كان ومتى كان. ومن وافقه فهو صاحبه عليه في المعنى، فإذا قام به ذلك الصاحب كما أمر الله، فإن الله مع ما جاء به الرسول ومع ذلك القائم به.