من أقوال السلف في آفات ينبغي لطالب العلم أن يحذرها
طلب العلم لغير وجه الله تعالى
قال العلامة ابن باز رحمه الله: (حنيفاً) أي: لم يمل يميناً وشمالاً كفعل المفتونين، فإن بعضاً ممن ينتسب إلى العلم لا يثبت على طريقة، فهو تارة مع هؤلاء، وتارة مع هؤلاء، مذبذب، كما قال الله عن المنافقين، لأنه ليس هدفه الإخلاص لله، بل له أهداف أخرى فلهذا لا يثبت على قدم، ولا يثبت على طريق، بل ينحرف هكذا وهكذا، لأنه مفتون بالدنيا أو مفتون بشهوات أخرى من غير المال، فالحاصل أنه ليس على ثبات، بل له أهداف كثيرة يميل معها، أما دعاة الحق من الأنبياء وأتباعهم بإحسان، فهدفهم واحد، وهو دعوة الناس إلى دين الله، وصبرهم على طاعة الله، وجمع الناس على الخير، وليس لهم هدف آخر.
الخلاف والجدال والمراء المؤدي إلى الفرقة والشحناء والبغضاء
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: يحرص طالب العلم على تحري الحق...ولا يجعل تحريه للحق سبباً في فرقة العباد، ولا سبباً في وقوع البغضاء والشحناء بينهم، بل يتودد في ذلك كثيراً، ولا يجادل مجادلة الذي يريد الانتصار والقوة، بل يتكلم في ذلك بسكينة وهدوء، وما أجمل قول الإمام مالك رحمه الله في نحو هذا لما قيل له: الرجل تكون عنده السنة أيجادل عنها؟...قال: " لا، يخبر بالسنة، فإن قبلت منه وإلا سكت. " لأن الشيطان يأتي، فيجعل الإنسان ينتصر لنفسه لا للسنة، وهذا مسلك شائك في النفوس، وينافي الإخلاص، وينافي ما يجب.
لهذا يُعود طالب العلم نفسه على الحلم والصبر وعلى أن لا ينتصر لنفسه في المسائل العلمية، حتى لو جاء المقابل، وطعن فيه وفي علمه، وطعن في طريقته في الإيراد لا يتأثر بهذا، ويجعل الكلام على العلم، لأنه مُبلغ للعلم، وليس منتصراً لنفسه، والمنتصر لنفسه يحرم نفسه انتصار الله عز وجل له.
الخلاف والجدال والمراء المؤدي إلى الفرقة والشحناء والبغضاء
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: المراء: الجدال، وأكثر ما يطلق المراء على الجدال بالباطل، إما من جهة القصد، أو من جهة ما يجادل به ويحتج به، من الحجج الباطلة الداحضة، فالاحتجاج بالحجج الباطلة كالاحتجاج والاستدلال بالشبه العقلية، والروايات المكذوبة، أو الجدال على وجه التعصب، لا لقصد إظهار وبيان الحق والوصول إليه، كل هذا من الجدال بالباطل، ومن المراء في الدين، ومن ذلك الجدال أو المراء على وجه المعارضة لما جاءت به النصوص، فكل هذا من المراء في الدين
الخلاف والجدال والمراء المؤدي إلى الفرقة والشحناء والبغضاء
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: المراد بالمراء المجادلة فيما لا فائدة فيه، ولا يُوصلُ إلى تحقيق حكم شرعي، سواء كان في المعتقد أو في غيره. ومنه المناقشات التي تكون لإظهار صفات النفس ولإعلان الإنسان لنفسه على غيره. وقد ورد في النصوص النهي عن المراء،...والمؤمن مطالب بإبراز الحق وإظهاره، وأما المناقشة العقيمة فيه فليست من شأن المؤمن.
والجدال يشمل المراء ويشمل غيره، ومن الجدال ما هو محمود كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ ﴾ [النحل:125] وكما قال سبحانه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت:46]
فالجدال منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، والمذموم أنواع، منها:
1-جدال في مقابلة النصوص ومعارضتها، فهذا مذموم.
2-جدال لم يَسِر فيه الإنسان على مقتضى الأدب والخلق الحسن وهذا أيضاً مذموم
الكبر والعجب بالنفس
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد:
احذر داء الجبابرة: " الكِبرَ "، فإن الكِبرَ والحرص والحسد أولُ ذنب عُصي الله به، فتطاولك على مُعلمك كبرياء، واستنكافك عمن يُفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كِبرٍ، وعنوان حرمان.
الزم رحمك الله اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها، ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة، أو حُب ظهور أو عجب...ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المُطفئة لنوره، وكلما ازددت علماً أو رفعة في ولاية، فالزم ذلك، تُحرز سعادةُ عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس.
إياك والخيلاء، فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقِّي منه عند السلف مبلغاً
الفتوى بغير علم
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
- إننا نُحذر إخواننا طلبة العلم والعامة أيضاً أن يفتوا بلا علم، بل عليهم أن يلتزموا الورع، وأن يقولون لما لا يعلمون: لا نعلم، فإن هذا والله هو العلم...فإني أُعيدُ وأكرر: التحذير من الفتوى بغير علم، وأقول للإنسان: أنت في حلٍّ إذا لم يكن عندك علم أن تصوف المستفتي إلى شخص آخر، وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا سُئل عن شيء ولا علم له به، يقول: أسأل العلماء.
- من آداب طالب العلم الواجبة ألَّا يتسَرَّع في الإفتاء؛ لأن المفتي مُعبِّر عن شريعة الله ورسوله، فإذا أفتى على وجهٍ لا يجوز له فيه الفتوى كان كاذبًا على الله ورسوله، والعياذ بالله، وما أسرع الذين اتَّخذُوا الإفتاء مهنةً للرِّفْعة، فصاروا يتصدَّرُون للإفتاء بغير علم، وهؤلاء من أشدِّ الناس ضرَرًا بالأُمَّة!
الفتوى بغير علم
قال الشيخ: في كتب المحاضرات أن رجلاً كان يفتي كل سائل دون توقف، فلحظ أقرانه ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه، بنحت كلمة ليس لها أصل هي " الخنفشار " فسألوه عنها، فأجاب على البديهة: بأنه نبت طيب الرائحة، ينبت بأطراف اليمن، إذا أكلته الإبل عقد لبنها، قال شاعرهم:
لقد عقدت محبتكم فؤادي كما عقد الحليب الخنفشار
وقال داود الأنطاكي في " تذكرته " كذا وقال فلان وفلان...وقال النبي صلى الله عليه وسلم، فاستوقفوه، وقالوا: كذبت على هؤلاء، فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقق لديهم أن ذلك المسكين: جراب كذب، وعيبة افتراء في سبيل تعالمه.