مصطفى السباعي - "هكذا علمتني الحياة"
مناجاة...
إلهي..! جلّت ذاتك عن أن تدركها أبصارنا، وجلَّت أفعالك عن أن تدرك تمام حكمتها أفهامنا، وجلَّت ألوهيَّتك عن أن تقوم بحقِّها عبادتنا، وجلّت نعمتك عن أن تؤدي شكرها جوارحنا، وجلَّت عظمتك عن أن تخشع لها حق الخشوع قلوبنا، وجلَّت رحمتك عن أن نستوجبها بقليل أعمالنا. نعوذ بك منك، ونفرُّ منك إليك، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
لولا..
لولا إيماننا بالقضاء والقدر لقتلنا الحزن، ولولا إيماننا برحمة الله لقتلنا اليأس، ولولا إيماننا بانتصار المثل العليا لجرفنا التيَّار، ولولا إيماننا بخلود الحق لحسدنا أهل الباطل أو كنا منهم، ولولا إيماننا بقسمة الرزق لكنا من الجشعين، ولولا إيماننا بالمحاسبة عليه لكنا من البخلاء أو المسرفين، ولولا إيماننا بعدالة الله لكنا من الظالمين، ولولا رؤيتنا آثار حكمته لكنا من المتحيِّرين.
من مكر الشيطان
من مكر الشيطان ببعض جنود الدعوة: أن يهيجهم لإنكار منكرٍ هو عند الله صغير أو أمر يرونه منكراً وهو عند صاحبه طاعة، فيقعون في كبائر محققة يتلو بعضها بعضاً من الغرور، والبهتان، واحتقار المسلم، وتجاوز حدود الله، وتفريق كلمة الجماعة، والغيبة، والكذب، وهم يتأوَّلون ذلك كله بأنه حميَّة لله ودفاع عن دعوته، لطالما يقهقه الشيطان من حماقاتهم!.
من سوء فهم الدين
من سوء فهم الدين أن يقيم بعضهم الدنيا ويقعدها من أجل معصية اعتبرها المشرع صغيرة، ثم هم يسكتون عن منكرات اعتبرها المشرع كبائر، وهي تهدم كيان المجتمع من أساسه، وأن يشدِّدوا النكير على من فرَّط في حقٍ من حقوق الله مع أن الله قد يغفره، ويهملون النكير على من تعدَّى على حقوق العباد، مع أن الله لا يغفر الذنب فيها إلا بردِّ الحقوق إلى أصحابها.
من..
من أنست نفسه بالله لم يجد لذة في الأنس بغيره، ومن أشرق قلبه بالنور لم يعد فيه متَّسع للظلام، ومن سمت روحه بالتقوى لم يرض إلا سكنى السماء، ومن أحب معالي الأمور لم يجد مستقرًّا إلا في الجنة، ومن أحب العظماء لم يقنعه إلا أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أدرك أسرار الحياة، لم يرَ حديراً بالحبِّ حقّ الحبّ إلا الله تبارك وتعالى.
لو كبرت قلوب المسلمين
لو كبَّرت قلوب المسلمين كما تكبِّر ألسنتهم بالعيد، لغيَّروا وجه التاريخ، ولو اجتمعوا دائماً كما يجتمعون لصلاة العيد، لهزموا جحافل الأعداء، ولو تصافحت نفوسهم كما تتصافح أيديهم؛ لقضوا على عوامل الفرقة، ولو تبسمت أرواحهم، كما تتبسم شفاههم؛ لكانوا مع أهل السماء، ولو ضحوا بأنانياتهم كما يضحون بأنعامهم؛ لكانت كل أيامهم أعياداً، ولو لبسوا أكمل الأخلاق كما يلبسون أفخر الثياب؛ لكانوا أجمل أمة على ظهر الأرض.
افرحوا بالعيد
أيها المرهقون بالآلام! افرحوا بالعيد؛ لأن آلامكم تخفُّ بالمواساة فيه.
أيها المثقلون بالأعباء! افرحوا بالعيد؛ لأن أعباءكم ألقيت عن عواتقكم قليلاً.
أيها المثخنون بالجراح! افرحوا بالعيد؛ لأن جراحكم قد وجدت من يضمِّدها.
أيها المحرومون من النعيم! افرحوا بالعيد؛ لأن أيام حرمانكم قد نقصت فيه بضعة أيام.
أيها الموجعون بالأحزان! افرحوا بالعيد؛ لأنه أعطاكم أياماً لا تحزنون فيها.
أيها المنهكون بالمصائب! افرحوا بالعيد؛ لأنه يمنحكم أملاً بانتهاء مصائبكم.
درس اجتماعي في العيد
العيد يعطينا درساً اجتماعيًّا عظيم النفع، ذلك أن الفرح العام أعمق أثراً في النفس من الفرح الخاص الذي لا يشارك فيه الآخرون؛ ففي العيد تدخل الفرحة كل قلب حتى المحزونين والمرضى، والمثقلين بالأعباء، وهي فرحة ليست نابغة من نفوسهم بل من مجتمعهم ومحيطهم، ففرحة المجتمع تطغى على آلام الفرد، ولكنَّ فرحة الأفراد لا تغطي آلام المجتمع، ولذلك كان العيد تنمية للشعور الاجتماعي في أفراد الأمة.
خصلتان
من كانت فيه خصلتان أحبَّه الله: التقوى، وحسن الخلق.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه الناس: السخاء، وبذل المعروف.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه جيرانه: البشاشة، وكرم المعاملة.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه إخوانه: تذكُّر معروفهم، ونسيان إساءتهم.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه تلامذته: بذل الجهد في إفهامهم، ولين الجانب لهم.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه أساتذته: سرعة الفهم عنهم، وتوفير الاحترام لهم.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه أهله: لطف معاملتهم، وتفهم مشكلاتهم.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه رؤساؤه: جميل طاعته لهم، وإتقان عمله عندهم.
ومن كانت فيه خصلتان أحبه الله والناس حميعاً: فعل الخير، واجتناب الأذى.
لمن تعطى الجوائز؟
نحن في حاجة إلى مخترعين ومخترعات، أشد من حاجتنا إلى فنَّانين وفنَّانات، ومع ذلك فكل الجوائز وكل الفرص وكل الأنوار تسلَّط على هؤلاء، ويحرم منها أولئك، وما رأيت يوماً جائزة خصصت لشاب مكتشف أو مخترع، وأرى كل يوم عشرات الجوائز للشباب المتفوِّقين بالرسم والتصوير والموسيقى والغناء، فهل هذا دليل على جدِّنا في الانضمام إلى ركب الحضارة، والخلاص من أعدائنا المتربِّصين؟ أم نحن قوم غافلون، أو مخدوعون، أو مضللون؟
سوء نية!
ليس صدفة ولا عن حسن نيَّة أن توجَّه طاقات شبابنا وبناتنا إلى الرسم والرقص والغناء، ويكون ذلك محور التوجيه في الصحافة والإذاعة والتلفزيون من حيث لا توجَّه طاقاتهم ولا عبقرياتهم إلى العلم والصناعة والاختراع. إنها خطة استعمارية تنفَّذ من أموال الشعب على أيدي بعض الأغرار من المراهقين والمراهقات!
لا تخدع
لا تخدع بطيب الطعام حتى تتبين فائدته، ولا ببكاء الزاهد حتى تتبيَّن استقامته، ولا بوعود الحاكم حتى تعلم خلقه، ولا بدعوى العالم حتى يشهد له أقرانه، ولا بتظلُّم الزوجة حتى تستمع إلى زوجها، ولا بصلاة العابد حتى ترى معاملته، ولا بوقار الشيخ حتى تشهد مجلس أنسه وسمره، ولا بحماسة الشاب حتى تجرِّبه في المكاره، ولا بمدَّعي الوطنية حتى يصبح نائباً أو وزيراً، ولا بيمين البائع حتى تتظاهر بالرغبة عن الشراء منه.
موطنان
موطنان ابكِ فيهما ولا حرج: طاعة فاتتك بعد أن واتتك، ومعصية ركبتك بعد أن تركتك.
وموطنان افرح فيهما ولا حرج: معروف هديت إليه، وخير دللت عليه.
وموطنان أكثر من الاعتبار فيهما: قوي ظالم قصمه الله، وعالم فاجر فضحه الله.
وموطنان لا تطل من الوقوف عندهما: ذنب مع الله مضى، وإحسان إلى الناس سلف.
وموطنان لا تندم فيهما: فضل لك جحده قرناؤك، وعفو منك أنكره عتقاؤك.
وموطنان لا تشمت فيهما: موت الأعداء، وضلال المهتدين.
وموطنان لا تترك الخشوع فيهما: تشييع الموتى، وشهود الكوارث.
وموطنان لا تقصر في البذل فيهما: حماية صحتك، وصيانة مروءتك.
وموطنان لا تخجل من البخل فيهما: الإنفاق في معصية الله، وبذل المال فيما لا حاجة إليه.
وموطنان انسَ فيهما نفسك: وقوفك بين يدي الله، ونجدتك لمن يستغيث بك.
وموطنان لا تتكبر فيهما: حين تؤدِّي الواجب، وحين تجالس المتواضع.
وموطنان لا تتواضع فيهما: حين تلقى عدوَّك، وحين تجالس المتكبر.
وموطنان أكثر منهما ما استطعت: طلب العلم، وفعل المكرمات.
وموطنان أقلل منهما ما قدرت: تخمة الطعام، ولهو العاطلين.
وموطنان ادخرهما لتغيُّر الأيام: صحتك، وشبابك.
وموطنان ادخرهما ليوم الحساب: علمك، ومالك.
وموطنان لا تجزع من مشهد البكاء فيهما: بكاء المرأة حين تتظلَّم، وبكاء المتهم حين يقبض عليه.
وموطنان لا يغرّنك الضحك فيهما: ضحك الطاغية لك، وضحك المحزون عندك.
وموطن واحد لا تعلق قلبك فيه إلا باثنين: عمرك، لا تحب فيه إلا الله ورسوله.
ووقت واحد لا تفعل فيه إلا شيئاً واحداً: ساعة الموت، لا ترج فيها إلا رحمة الله.