فوائد من كتاب الهوى وأثره فى الخلاف لعبد الله بن محمد الغنيمان
حكمــــــة
قال – تعالى – في حق نبيه صلى الله عليه وسلم " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى " [النجم: 1-4]. فنزهه عن الضلال والغواية، اللذين هما: الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه. وأخبر أنه لا ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه. فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى(فتاوى ابن تيمية).
حكمــــــة
قال محمد بن علي: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله»(رواه ابن بطة) يقصد قوله – تعالى -: " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا " [النساء: 140].
حكمــــــة
قال أبو الجوزاء: «لئن تُجاورني القردة والخنازير في دار أحب إلي من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء». وقد دخلوا في هذه الآية: " وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " [آل عمران: 119] (رواه ابن بطة). وقد دل على هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فإنه قال: «من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات»(رواه داود وصححه الألباني). والمتعين على العبد – ولا سيما المبتدئ والشاب – أن يبتعد عن الشبه والجدال في الدين، فإن ذلك يجر إلى الردى.
حكمــــــة
ذم الله اليهود لاتباعهم لأهوائهم، حيث قادهم ذلك إلى تبديل شرع الله والكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي. وسبب ذلك اتباعهم لأهوائهم، قال – تعالى -: " أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُـكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ " [البقرة: 87].وقال – تعالى -: " لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ " [المائدة: 70].
حكمــــــة
اتباع الهوى هو أصل الضلال والكفر، ومعلوم أن ذلك يتفاوت تفاوتًا عظيمًا، فمن اتباع الهوى ما يوصل إلى ما ذكر، ومنه ما هو أقل من ذلك، وكل من خالف الحق لا يخرج عن اتباعه للهوى أو الاعتماد على الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا، كما قال –تعالى-: " إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ " [النجم: 23]. فإن كان يعتقد أن قوله صحيحًا وله فيه حجة يتمسك بها فغايته اتباع الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا، وتكون حجته شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، فإذا ميز الحق فيها عن الباطل زال الاشتباه.
حكمــــــة
العاقل إذا تعرف على أحوال النفس، ونظر في أخبار الناس، وجد أن كل واحد منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلو بحسب حاله وقدرته، فالنفوس مشحونة بحب العلو والرئاسة بحسب إمكانها. فتجد أحدهم يُوالي من يوافقه على هواه، ويعادي من يخالفه في هواه!! فمعبوده ما يريده ويهواه، كما قال – تعالى -: " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً " [الفرقان: 43]. فمن وافق هواه واستمع لأقواله واتبعه صار صديقًا له مقربًا منه، وإن كان عاصيًا لله – تعالى – بل ربما وإن كان مشركًا كافرًا، ومن لم يوافقه فيما يهواه كان عدوًا وإن كان من أولياء الله المتقين.
حكمــــــة
ذكره شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – قال: «روينا عن معاوية بن أبي سفيان: أنه سأل ابن عباس: أأنت على ملة علي أو على ملة عثمان؟ فقال: لست على ملة علي ولا على ملة عثمان، بل أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم(رواه ابن بطة في الإبانة)، قال: وكذلك كان كل من السلف يقولون: كل هذه الأهواء في النار. ويقول أحدهم: ما أبالي أي النعمتين أعظم: أن هداني الله للإسلام أو جنبني هذه الأهواء»(رواه الدارمي).
حكمــــــة
قال ابن القيم في ذكر الألفاظ التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهها: «ومنها الدعاء بدعوى الجاهلية، والتعزي بعزائهم كالدعاء إلى القبائل والعصبية لها وللأنساب، ومثله التعصب للمذاهب والطرائق والمشايخ وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسبًا إليه فيدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي عليه ويزن الناس به، هذا من دعوى الجاهلية»(زاد المعاد).
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام: «وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي غير كلام الله – تعالى – وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمة؛ بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرقون به بين الأمة يوالون على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون»(المجموع).
حكمــــــة
من نظر في كثير من الخلافات بين الجماعات والأفراد، سواء كان ذلك في مسائل العلم أو في مجال التوجيه والعمل. وجد ظاهرها في طلب العدل والإنصاف، أو الصواب وترك الانحراف، وحقيقتها حب عبادة النفس واتباع الهوى، أو أغراض سيئة دنيئة، وقد علم أن الهوى يعمي ويصم ويضل عن سبيل الله، وقد ترجع إلى أمور شخصية أو تطلعات معينة دنيئة، وإن غُلفت بالغيرة على الدين وإرادة إظهار الحق، والواقع خلاف ذلك.ومن هذه صفته فهو ومن نحى نحوه المعنى بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش»(واه البخاري).
حكمــــــة
في حديث أبي هريرة الذي في الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: «الأول من تعلم علمًا ليقال: هو عالم قارئ، والآخر من قاتل ليقال: هو جريء شجاع، والثالث: من تصدق ليقال: هو جواد كريم»(رواه مسلم). فهؤلاء إنما كان قصدهم مدح الناس لهم وطلب الجاه عندهم وتعظيمهم لهم، لم يقصدوا بفعلهم وجه الله وإن كانت صور أعمالهم حسنة في الظاهر.
حكمــــــة
في الحديث: «من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فله من عمله النار»(رواه الترمذي وصححه الألباني). فمباهاة العلماء أن يظهر لهم أنه يعرف ما يعرفون، ويدرك ما لا يدركون من المعاني والاستنباطات، وأنه يستطيع أن يرد عليهم، ويبين أنهم يخطئون. وأما مماراة السفهاء، فهو مجادلتهم ومجاراتهم في السفه. وأما صرف وجوه الناس إليه، فالمراد به طلب ثنائهم ومدحهم له، وتعريفهم بأنه عالم، فهو بعمله هذا يتقرب إلى النار.
حكمــــــة
قال ابن كثير(في تفسيره سورة النور تحت الآية: 63): «أي فليحذر وليخشى من خالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا " أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ " ؛ أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة. " أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ؛ أي في الدنيا بقتل أو حدٍّ أو حبس أو نحو ذلك. ثم ذكر الحديث الذي في الصحيحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب يقعن فيها، فجعل الرجل يزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها»(رواه البخاري ومسلم).
حكمــــــة
قال الشاطبي: «كل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء، ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنابز والتنافر والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء، وأنها التي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية، وهي قوله – تعالى -: " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا " [الأنعام: 159]. فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله – تعالى -: " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " [آل عمران: 103]. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى، فالإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين». اهـ (كتاب الموافقات 4/186؛ وفي الاعتصام ص429).
حكمــــــة
قال الشاطبي: «ينبغي أن تذكر أوصاف أهل البدع ولا يعينون بأعيانهم لئلا يكون ذلك داع إلى الفرقة والوحشة وعدم الألفة التي أمر الله بها ورسوله، حيث قال – تعالى -: " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " [آل عمران: 103]. وقال –تعالى-: " فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ " [الأنفال: 1]. وقال –تعالى-: " وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا " [الروم: 31، 32].وفي الحديث: «لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانًا»(رواه البخاري مسلم)، وأمر عليه الصلاة والسلام بإصلاح ذات البين. وأخبر أن فساد ذات البين هي الحالقة، وأنها تحلق الدين (رواه أبو داود وصححه الألباني) والشريعة طافحة بهذا المعنى» اهـ (كتاب الاعتصام).
حكمــــــة
جاء النهي عن التفرق مصحوبًا بالوعيد الشديد لفظاعة أمره، وسوء عاقبته. كما قال – تعالى -: " وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ " [آل عمران: 105، 106]؛ لأن الاختلاف بعد مجيء البينات خروج على أمر الله الذي يجب أن يكون جامعًا للناس موحدًا لصفوفهم، فإذا فُهم قول الله واتبع وحسنت المقاصد صار عاصمًا من الاختلاف والتفرق، داع للاتفاق والاجتماع على طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك يتضمن التعاون على البر والتقوى والتناصر على أعداء الله وأعداء المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للمسلمين عامة وخاصة، ولهذا جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو الدين كما في حديث تميم الداري، قال: «الدين النصيحة» قالها ثلاثًا – قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»(رواه البخاري ومسلم).
حكمــــــة
في الحديث الصحيح: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم»(رواه البخاري)؛ يعني خير لك من الدنيا، فكذلك من ضل بسببه رجل واحد فعليه وزر عظيم. وقد قال الله – تعالى – بعدما ذكر قصة قتل ابن آدم لأخيه: " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا " [المائدة: 32]. وإضلال الإنسان في دينه أعظم من قتله بكثير، والكلام في مسائل الدين يجب أن يكون بدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يقصد به وجه الله، وألا يكون ضرره أكبر من نفعه، وألا يكون الحامل عليه الحسد لمعين واتباع الهوى.
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل: الملوك المختلفين على الملك والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد وعلى كل أحد، في كل حال، والظلم محرم مطلقًا لا يباح قط بحال. قال – تعالى -: " وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا " [المائدة: 8]. وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق أن لا يظلم، بل يعدل عليه» (منهاج السنة).
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته، والثناء على أهله ومحبتهم. والظلم مما اتفقوا على بغضه وذمه وتقبيحه، وذم أهله وبغضهم، والعدل من المعروف الذي أمر الله به وهو الحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر. وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية أو العملية. قال – تعالى -: " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ " [البقرة: 213]. وقال – تعالى -: " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ " [الشورى: 10].
حكمــــــة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة ليس لأحد أن يلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك. ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة، فهو كافر! وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة ولا يحكمون في الأمور الكلية، وإذا حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله. فإن لم يكن فبسُّنة رسول الله، فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه» (منهاج السنة).
حكمــــــة
«الله – تعالى – قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعًا ولا يتفرقوا، وقد فسر حبله بكتابه، وبدينه، وبالإسلام، وبالإخلاص، وبأمره، وبطاعته، وبالجماعة، وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان. وكلها صحيحة، فإن القرآن الكريم يأمر بدين الإسلام، وذلك هو عهده وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعًا إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام حقيقته الإخلاص لله. وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا(رواه مسلم)، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم»(هذه الزيادة رواها مالك في الموطأ ورواها أحمد).
حكمــــــة
إن الله – تعالى – قد حرم ظلم المسلمين الأحياء منهم والأموات، وحرم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وقد ثبت في «الصحيحين» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع»(رواه البخاري ورواه مسلم) وقد قال الله – تعالى -: " وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا " [الأحزاب: 58]. فمن آذى مؤمنًا حيًا أو ميتًا بغير ذنب يوجب ذلك فقد دخل في هذه الآية.ومن كان مجتهدًا لا إثم عليه، فإذا آذاه مؤذٍ فقد آذاه بغير ما اكتسب، ومن كان مذنبًا وقد تاب من ذنبه أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه عقوبة فآذاه مؤذٍ فقد آذاه بغير ما اكتسب وإن حصل له بفعله مصيبة.
حكمــــــة
أصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله، والموالاة فيه والمعاداة فيه، والعبادة كلها له، والاستعانة به، والخوف منه والرجاء له والعطاء والمنع له، وهذا لا يكون إلا بمتابعة رسول الله صلى اله عليه وسلم الذي أمره أمر الله، ونهيه نهي الله، وطاعته طاعة الله، ومعاداته معاداة لله، ومعصيته معصية لله – تعالى -. وصاحب الهوى يعميه هواه ويصمه فلا يستحضر ما لله ورسوله، ولا يطلب ذلك. فلا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يهواه ويريده، ويغضب إذا خولف هواه، ويكون مع ذلك عنده شبهة دين وعلم، أو أنه يعمل على اتباع السنة ونصرة الدين والواقع خلاف ذلك.
حكمــــــة
قال – تعالى -: " وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " [البقرة: 176]. وقال: " وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا " [يونس: 19]، فذمهم على الاختلاف. وأما إذا كان الاختلاف بين أهل الإيمان والكفر كقوله – تعالى -: " فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ " [البقرة: 253]، فهذا مطلوب لأن فيه تمييز الحق من الباطل، ومزاولة الباطل والبعد عنه.وإذا حصل خلاف بين أهل الدين يجب أن يقصد به طاعة الله وتنقية الحق من الباطل في نفوس الناس... رحمة بهم وإحسانًا إليهم، وطلبًا لرضا الله – تعالى -، حتى إذا رد على أهل البدع الظاهرة مثل الرافضة وغيرهم يجب أن يقصد بذلك بيان الحق وهداية الخلق، ورحمتهم والإحسان إليهم، وإذا غلط في بيان بدعة أو ذمها أو معصية يجب أن يكون قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد، وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرًا والقصد ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام.