باب المنثورات والملح
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم؛ وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا» قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم» قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له قدره». قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: «كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى - صلى الله عليه وسلم - قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى - صلى الله عليه وسلم -: أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله - عز وجل - مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس؛ واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس؛ فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم؛ ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة». رواه مسلم.
----------------
قوله: «خلة بين الشام والعراق»: أي طريقا بينهما. وقوله: «عاث» بالعين المهملة والثاء المثلثة، والعيث: أشد الفساد. «والذرى»: بضم الذال المعجمة وهو أعالي الأسنمة وهو جمع ذروة بضم الذال وكسرها « واليعاسيب»: ذكور النحل. «وجزلتين»: أي قطعتين، «والغرض»: الهدف الذي يرمى إليه بالنشاب، أي: يرميه رمية كرمية النشاب إلى الهدف. «والمهرودة» بالدال المهملة والمعجمة، وهي: الثوب المصبوغ. قوله: «لا يدان»: أي لا طاقة. «والنغف»: دود. «وفرسى»: جمع فريس، وهو القتيل. و «الزلقة»: بفتح الزاي واللام وبالقاف،... وروي: الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء وهي المرآة.... «والعصابة»: الجماعة. «والرسل» بكسر الراء: اللبن. «واللقحة»: اللبون. «والفئام» بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة: الجماعة.... «والفخذ» من الناس: دون القبيلة. قوله: «غير الدجال أخوفني عليكم». قال النووي: كذا في جميع نسخ بلادنا بالنون، وكذا نقله عياض رواية الأكثرين. قال: ورواه بعضهم بحذفها، وهما لغتان صحيحتان، معناهما واحد. ومعنى الحديث: أخوف مخوفاتي عليكم. قوله: «ويبعث الله يأجوج ومأجوج». هما أمتان عظيمتان يخرجون حين يفتح الله سدهم، ويجعله دكا.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن ربعي بن حراش، قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري إلى حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم -، فقال له أبو مسعود: حدثني ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدجال، قال: «إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارا، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب. فمن أدركه منكم، فليقع في الذي يراه نارا، فإنه ماء عذب طيب». فقال أبو مسعود: وأنا قد سمعته. متفق عليه.
----------------
قال النووي: قال العلماء: هذا من جملة فتنه التي امتحن الله بها عباده، يحق الحق، ويبطل الباطل، ثم يفضحه بعد، ويظهر عجزه.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما، فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله - عز وجل -، ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل، لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس حوله، ثم يرسل الله - أو قال: ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسئولون، ثم يقال: أخرجوا بعث النار فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعين؛ فذلك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق». رواه مسلم.
----------------
«الليت»: صفحة العنق. ومعناه يضع صفحة عنقه ويرفع صفحته الأخرى. قوله: لا أدري أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين سنة». قال الحافظ: والجزم بأنها أربعون يوما مقدم على هذا الترديد.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة؛ وليس نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما، فينزل بالسبخة، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج الله منها كل كافر ومنافق». رواه مسلم.
----------------
قال الحافظ: يجمع بينه وبين حديث: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال». بأن الرعب المنفي: الخوف والفزع، حتى لا يحصل لأحد فيها بسبب الإرفاق، وهو إشاعة مجيئه، وأنه لا طاقة لأحد به، فيسارع حينئذ إليه من يتصف بالنفاق أو الفسق، فظهر حينئذ تمام أنها تنفي خبئها.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال». رواه مسلم.
----------------
وذلك أنه لا ينجو من فتنته إلا النذر اليسير. قال الحافظ: وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية من (الحلية) بسند صحيح إليه، قال: (لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنى عشر ألف رجل، وسبعة آلاف امرأة). وهذا لا يقال من قبل الرأي، فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه من بعض أهل الكتاب.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيتلقاه المسالح: مسالح الدجال. فيقولون له: إلى أين تعمد فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء! فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فيأمر الدجال به فيشبح؛ فيقول: خذوه وشجوه. فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أو ما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب! فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه. ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما. ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس؛ فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين». رواه مسلم. وروى البخاري بعضه بمعناه.
----------------
«المسالح»: هم الخفراء والطلائع. قوله: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين، أي: لأنه قال الحق عند الظالم الكاذب الجائر. قوله: وروى البخاري بعضه بمعناه، ولفظه: «يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فيدخل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل، وهو خير الناس أو من خيار الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه، فيقول: أرأيتم إن قتلت هذا، ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه، فيقول والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط... عليه».
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ما سأل أحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال أكثر مما سألته؛ وإنه قال لي: «ما يضرك» قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء. قال: «هو أهون على الله من ذلك». متفق عليه.
----------------
قال عياض: معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين، ومشككا لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ويرتاب الذين في قوبهم مرض.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم - عز وجل - ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر». متفق عليه.
----------------
قوله: «ما من نبي إلا وقد أنذر قومه الأعور الكذاب»، وذلك لأنهم علموا بخروجه وشدة فتنته، وتوهم كل نبي إدراك أمته، فأنذرهم منه. قوله: «مكتوب بين عينيه ك ف ر». هذا لفظ رواية مسلم. ولفظ البخاري: «وإن بين عينيه مكتوبا كافر». وفي رواية: «يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب»
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه! إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار». متفق عليه.
----------------
قوله: «فالتي يقول: إنها الجنة هي النار». أي: وبالعكس، واكتفى بما ذكر لدلالته عليه.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال: «إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية». متفق عليه.
----------------
قوله: «طافية» بياء غير مهموزة، أي: بارزة، وبعضهم بالهمز، وهي التي ذهب ضوءها. قال الحافظ: والذي يتحصل من مجموع الأحاديث أن الصواب ترك همز طافية.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر. فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله؛ إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود». متفق عليه.
----------------
قال النووي: الغرقد نوع من شجر الشوك، معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود. وقال الدينوري: إذا عظمت العوسجة، صارت غرقدا.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر، فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين، ما به إلا البلاء». متفق عليه.
----------------
قوله: «فيتمرغ عليه». أي: يتقلب على القبر مما أصابه من الأنكاد الدنيوية، وذلك لاستراحة الميت من نصب الدنيا وعنائها.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أن أكون أنا أنجو». وفي رواية: «يوشك أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا». متفق عليه.
----------------
قوله: «فمن حضره، فلا يأخذ منه شيئا». قال الشارح: وذلك لأنه لا يصل إليه أحد إلا بعد التقاتل، فلا يصل إليه حتى يقتل عددا، وقد يقتل هو، وإذا لم يتوجه إليه وامتثل النهي، سلم في نفسه، وسلم منه غيره.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي يريد - عوافي السباع والطير - وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما». متفق عليه. قوله: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي»، يعني في آخر الزمان. وقال القاضي: إنه جرى في العصر الأول، فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت حين نقلت الخلافة إلى الشام والعراق.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحدا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء». رواه مسلم.
----------------
قوله: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، فلا يجد أحدا يأخذها منه». قال الشارح: وذلك لإخراج الأرض كنوزها وفيضان المال.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشترى رجل من رجل عقارا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك، إنما اشتريت منك الأرض ولم أشتر الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه وتصدقا». متفق عليه.
----------------
العقار: كل ملك ثابت له أصل، كالدار، والنخل، والأرض. وفي هذا الحديث: تورع البائع والمشتري، وإنصاف الحاكم بينهما، وعدم طمعه.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما. فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود - صلى الله عليه وسلم - فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل! رحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصغرى». متفق عليه.
----------------
قال القرطبي: الذي ينبغي أن يقال: إن قضاء دواد به لها لسبب اقتضى ترجيح قولها عنده، إذ لا بينة لإحداهما. وقال ابن الجوزي: استنبط سليمان لما رأى الأمر محتملا، فأجاد وكلاهما حكم بالاجتهاد. ودلت هذه القصة: أن الفطنة والفهم موهبة من الله تعالى لا تتعلق بكبر سن ولا صغره.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن مرداس الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة». رواه البخاري.
----------------
الحثالة: الرديء من كل شيء. قال الخطابي: أي لا يرفع لهم قدرا، ولا يقيم لهم وزنا. قال ابن بطال: وفي الحديث أن موت الصالحين من أشراط الساعة. وفيه: الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن رفاعة بن رافع الزرقي - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين» أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. رواه البخاري.
----------------
فيه: عظيم فضل أهل بدر، وعدتهم ثلاث مئة وثلاثة عشر، عدة الذين جاوزوا النهر مع طالوت، وقد رتبهم أصحاب الطبقات، فقالوا: أفضل الصحابة الصديق، فعمر فعثمان، فعلي، فباقي الستة فأهل بدر.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:... «إذا أنزل الله تعالى بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم». متفق عليه.
----------------
يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة} [الأنفال (25)]، فإذا نزل العذاب، عم البر والفاجر، ويبعثون على نياتهم.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان جذع يقوم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في الخطبة - فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل صوت العشار، حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه فسكن. وفي رواية: فلما كان يوم الجمعة قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق. وفي رواية: فصاحت صياح الصبي، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت، قال:... «بكت على ما كانت تسمع من الذكر». رواه البخاري.
----------------
قال البيهقي: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي نقلها الخلف عن السلف. قال الحافظ: وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كالحيوان بل كأشرف الحيوان. وفيه: تأكيد لقول من يحمل: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}... [الإسراء (44)]. على ظاهره. وقال الشافعي: ما أعطى الله نبيا مثل ما أعطى محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقد أعطى عيسى إحياء الموتى، وأعطى محمدا حنين الجذع، حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» حديث حسن. رواه الدارقطني وغيره.
----------------
قال ابن سمعان: هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه. من عمل به، فقد حاز الثواب، وأمن من العقاب؛ لأن من أدى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين. وأخرج البزار في (مسنده) والحاكم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم، فهو حرام. وما سكت عنه، فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا»، ثم تلا هذه الآية: {وما كان ربك نسيا} [مريم (64)].
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد. وفي رواية: نأكل معه الجراد. متفق عليه.
----------------
قال البخاري: باب أكل الجراد، وذكر الحديث. قال الحافظ: وخلقة الجراد عجيبة، فيها عشرة من الحيوانات، ذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله: لها فخذا بكر، وساقا نعامة... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت... عليها جياد الخيل بالرأس والفم قيل: وفاته عين الفيل، وعنق الثور، وقرن الإبل، وذنب الحية، وهو صنفان طيار، ووثاب. واختلف في أصله، فقيل: أنه نثرة حوت، فذلك كان أكله بغير ذكاة، وهذا ورد في حديث ضعيف، ولو صح لكان فيه حجة لمن قال: لا جزاء فيه إذا قتله المحرم. وإذا ثبت فيه الجزاء، دل على أنه بري. وجمهور العلماء على خلافه، وقد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية، إلا أن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته. ووافق مطرف منهم الجمهور في أنه لا يفتقر إلى ذكاة لحديث ابن عمر: «أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال». ونقل النووي: الإجماع على حل أكل الجراد، لكن فصل ابن العربي في لا يؤكل، لأنه ضرر محض وهذا إن ثبت أنه يضر أكله بأنه يكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه، والله أعلم. انتهى ملخصا.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر [واحد] مرتين». متفق عليه.
----------------
قوله: «لا يلدغ» خبر بمعنى الأمر. وفيه: الحض على الجزم، والحذر من الغفلة. وقال أبو عبيد: لا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه. قال ابن بطال: وفيه: أدب شريف أدب به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته، ونبههم كيف يحذرون مما يخافون من سوء عاقبته.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف». متفق عليه.
----------------
قوله: «ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر»، خص العصر لعظيم الإثم فيه، واليمين الفاجرة محرمة في كل وقت، وكان السلف يحلفون بعد العصر تغليظا لليمين، وقد قال الله تعالى: {تحبسونهما من بعد الصلاة} [المائدة 106].
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بين النفختين أربعون» قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. «ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب، فيه يركب الخلق، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل». متفق عليه.
----------------
قوله: «بين النفختين»، أي: نفخة الصعق، ونفخة البعث. قال الله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر (68)]. قوله: «أبيت» قال النووي: مراده الامتناع من الجزم بل الذي يجزم به أنها أربعون، وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم: «أربعون سنة». قوله: «إلا عجب الذنب»، هو بفتح العين المهملة وسكون الجيم، أي العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم، جاء أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: أين السائل عن الساعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». رواه البخاري.
----------------
قال ابن المنير: ينبغي أن يجعل هذا الحديث أصلا في أخذ الدروس، والقراءة، والحكومات، والفتاوى عند الازدحام على السبق. قوله: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة». قال في (النهاية): أي أسند وجعل في غير أهله، يعني إذا سود وشرف غير المستحق للسيادة والشرف. وقيل: هو من الوسادة، أي: إذا وضعت وسادة الملك والأمر والنهي لغير مستحقها، وتكون «إلى» بمعنى اللام.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم». رواه البخاري.
----------------
قال البخاري: باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، وذكر الحديث. قال الحافظ: قوله: «يصلون»، أي: الأئمة. إلى أن قال: وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: «من أم الناس، فأصاب الوقت، فله ولهم». وفي رواية أحمد: «فإن صلوا الصلاة لوقتها، وأتموا الركوع والسجود، فهي لكم ولهم». قال ابن المنذر: هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت، فسدت صلاة من خلفه. انتهى ملخصا.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجب الله - عز وجل - من قوم يدخلون الجنة في السلاسل». رواه البخاري.
----------------
معناه: يؤسرون ويقيدون ثم يسلمون فيدخلون الجنة. قوله: «كنتم خير أمة أخرجت للناس». قال ابن كثير: المعنى خير الأمم، وأنفع الناس للناس. وفي حديث درة بنت أبي لهب مرفوعا: «خير الناس أقرؤهم وأفقههم في دين الله، وأتقاهم لله، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر».
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». رواه مسلم.
----------------
قوله: «أحب البلاد إلى الله مساجدها» ؛ لأنها البيوت الذي أذن الله أنترفع ويذكر فيها اسمه بالتسبيح، والصلاة والذكر، وتلاوة القرآن، وسبب بغضه للأسواق أنها محل للفحش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، ونحو ذلك.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - من قوله قال: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته. رواه مسلم هكذا.
----------------
ورواه البرقاني في صحيحه عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها. فيها باض الشيطان وفرخ». وله: «فيها باض الشيطان وفرخ»، أي: استوطنها وأحبها لكونه محل المعاصي من الغش، والخداع، والأيمان الكاذبة، والأفعال المنكرة ونحوها.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، غفر الله لك، قال: «ولك». قال عاصم: فقلت له: أستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد (19)]. رواه مسلم.
----------------
قوله: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، غفر الله لك، قال: «ولك». فيه: مكافأة للحسنة بأحسن منها.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». رواه البخاري.
----------------
يعني: أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين. وفيه: تهديد ووعيد لمنزوع الحياء، فإن الحياء يكف صاحبه عن ارتكاب القبائح، ودناءة الأخلاق، ويحثه على مكارم الأخلاق ومعاليها. قال بعض السلف: رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروءة فاستحالت ديانة.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». متفق عليه.
----------------
أي: أول القضايا يوم القيامة يقضى فيها القضاء في الدماء التي وقعت بين الناس في الدنيا. وعند النسائي: «أول يحاسب عليه العبد صلاته، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء». قال الحافظ: وفي الحديث: عظم أمر الدماء، فإن البداءة إنما تكون بالأهم، والذنب يعظم بحسب المفسدة وتفويت المصلحة، وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك. انتهى. وقد قال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة (30)].
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:... «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم». رواه مسلم.
----------------
قال ابن عباس: المارج: اللهب الذي يعلو النار، فيختلط بعضه ببعض: أحمر، وأصفر، وأخضر. وقد قال الله تعالى: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن (14، 15)].
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن. رواه مسلم في جملة حديث طويل.
----------------
قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم (4)]. قال العوفي عن ابن عباس: وإنك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام. وقال عطية: لعلى أدب عظيم. وعن جبير بن نفير قال: (حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن). قال ابن كثير: ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا، سجية له، وخلق تطبعه، وترك طبعه الجبلي. فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه. هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء، والكرم، والشجاعة، والصفح، والحلم، وكل خلق جميل.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه». فقلت: يا رسول الله، أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ قال: «ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه». رواه مسلم.
----------------
هذا الحديث: رواه الطبراني عن معاوية وزاد: (قالوا: يا رسول الله، كلنا نكره الموت. قال: «ليس ذلك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا احتضر جاء البشير من الله بما هو صائر إليه، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله، فأحب الله لقاءه، وأن الفاجر إذا احتضر، جاءه ما هو صائر إليه من الشر، فكره لقاء الله، فكره الله لقاءه».).
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار رضي الله عنهما، فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: «على رسلكما، إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا - أو قال: شيئا -». متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: دليل على جواز زيارة المرأة للمعتكف والتحدث معه، والمشي مع الزائر، وجواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة. وفيه: التحرز من التعرض لسوء الظن.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن... عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والمشركون، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أي عباس، ناد أصحاب السمرة». قال العباس - وكان رجلا صيتا - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة، فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: «هذا حين حمي الوطيس»، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب محمد»، فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا. رواه مسلم.
----------------
«الوطيس» التنور، ومعناه: اشتدت الحرب. وقوله: «حدهم» هو بالحاء المهملة: أي بأسهم وشدتهم. قوله: (ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب محمد».). فيه: معجزة له كما قال تعالى في قصة بدر: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال (17)].
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} [المؤمنون (51)]. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}... [البقرة (172)]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك.؟ رواه مسلم.
----------------
هذا الحديث: قاعدة من قواعد الإسلام وأصول الأحكام. وفيه: إشارة إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابته. قيل: إن اللدعاء جناحين: أكل الحلال، وصدق المقال.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر». رواه مسلم.
----------------
«العائل»: الفقير. الزنى، والكذب، والكبر، حرام على كل أحد، وخص هؤلاء الثلاثة بالوعيد؛ لأن الشيخ ضعفت شهوته عن الوطء الحلال، فكيف بالحرام! وكمل عقله ومعرفته بطول ما مر عليه من الزمان، وإنما يدعو إلى الزنى غلبة الشهوة، وقلة المعرفة، وضعف العقل الحاصل من الشباب، والإمام لا يخاف من أحد وإنما يحتاج إلى الكذب من يريد مصانعة من يحذره، والعائل قد عدم المال الذي هو سبب الفخر والخيلاء، فكان إقدامهم على المعصية من المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل». رواه مسلم.
----------------
قوله: (أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي) طلب للتيقظ من الغفلة إن كانت. قال البغوي: على قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} [الأعراف (54)]. أراد به في مقدار ستة أيام؛ لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن يومئذ يوم ولا شمس ولا سماء. وقيل: ستة أيام الآخرة، وكل يوم كألف سنة. وقيل: كأيام الدنيا. قال سعيد بن جبير: كان الله عز وجل قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور. وقال ابن كثير: وأول الستة الأيام الأحد، فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق. ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار ليس مرفوعا، والله أعلم، انتهى ملخصا.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم واجتهد، فأخطأ، فله أجر». متفق عليه.
----------------
قوله: «فله أجران»، أي: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته. قوله: «وإن حكم واجتهد فأخطأ، فله أجر»، أي: لاجتهاده. وقد قال الله تعالى: {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء (79)].
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء». متفق عليه.
----------------
قيل: الخطاب خاص بأهل الحجاز، وما والاهم إذ كانت أكثر الحميات تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة، وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا. قال ابن القيم: فالخطاب وإن كان لفظا عاما، إلا أن المراد به خاص. وأخرج ابن أبي شيبة عن الأسود قال: سألت عائشة عن النشرة، فقالت: ما تصنعون بهذا؟ فهذا الفرات إلى جانبكم من أصابه نفس، أو سم، أو سحر، فليأت الفرات، فليستقبل، فينغمس فيه سبع مرات.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من مات وعليه صوم، صام عنه وليه». متفق عليه.
----------------
والمختار جواز الصوم عمن مات وعليه صوم لهذا الحديث، والمراد بالولي: القريب وارثا كان أو غير وارث. في هذا الحديث: مشروعية الصيام عن الميت، فيتخير الولي بين الصيام والإطعام.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عوف بن مالك بن الطفيل: أن عائشة رضي الله عنها، حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، قالت: أهو قال هذا! قالوا: نعم. قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة. فقالت: لا، والله لا أشفع فيه أبدا، ولا أتحنث إلى نذري. فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور،... وعبد الرحمن حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور، وعبد الرحمن يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عما قد علمت من الهجرة؛ ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. رواه البخاري.
----------------
قوله: «وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة»، وذلك من مزيد ورعها، وإلا فالواجب رقبة واحدة.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر، فقال: «إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، ألا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها» قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: «ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم». قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر. وفي رواية قال: «إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها». والمراد بالصلاة على قتلى أحد: الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة. فيه: النهي عن التنافس في الدنيا، فإن التنافس فيها سبب للهلاك الديني والدنيوي.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. رواه مسلم.
----------------
فيه: معجزة له - صلى الله عليه وسلم - بخرق الأوقات، والمباركة فيها، حتى اتسعت لنشر ذلك كله، وذكره.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه». رواه البخاري.
----------------
الحديث دليل على وجوب النذر في الطاعة، وإن نذر المعصية لا ينعقد. ولأبي داود من حديث ابن عباس مرفوعا: «من نذر نذرا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين».
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة». وفي رواية: «من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مئة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك». رواه مسلم.
----------------
قال أهل اللغة: «الوزغ» العظام من سام أبرص. الأمر بقتل الأوزاغ لعظم ضررها مع ما فيها من عداوة خيار العباد، وهو وإن لم يكن لنفخه تأثير في النار، إلا أن فيه إظهارا للعداوة. قال النووي: اتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذية، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله، وحث عليه لكونه من المؤذيات. وأما سبب تكثيره في قتله بأول ضربة، ثم ما يليها، فالمقصود به الحث على المبالغة بقتله، والاعتناء به، وتحريض قاتله على أن يقتله بأول ضربة، فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات، ربما انفلت وفات قتله.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق! فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية؛ فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني؟ فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني! فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما آتاه الله». رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه.
----------------
قال البخاري: باب إذا تصدق على غني، وهو لا يعلم. وذكر الحديث. قال الحافظ: أي فصدقته مقبولة. وفيه: أن نية المتصدق إذا كانت صالحة، قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع. وفيه: فضل صدقة السر، وفضل الإخلاص، واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع في الموقع. وأن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه، وبركة التسليم، والرضا، وذم التضجر بالقضاء، كما قال بعض السلف: لا تقطع الخدمة، ولو ظهر لك عدم القبول. انتهى ملخصا.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوة فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة وقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه إلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، ويأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدا شكورا، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات؛ نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري؛ اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. فيأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم -». وفي رواية: «فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب». ثم قال: «والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى». متفق عليه.
----------------
قوله: «إني كذبت ثلاث كذبات»: اثنان منها في الله، وهي قوله: {إني سقيم} [الصافات (89)]، وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء (63)]. وأما الثالثة فهي قوله لسارة: أختي، يعني في الإسلام، وليست بكذب حقيقة، لكن لما كانت بصورة الكذب سماها كذبا. قال النووي: الحكمة في أن الله تعالى ألهمهم سؤال آدم، ومن بعده في الابتداء، ولم يلهموا سؤال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - إظهار فضيلته، وحصل غرضهم، فهو النهاية في ارتفاع المنزلة، وكما القرب، وعظيم الإدلال والأنس. وفيه: تفضيله - صلى الله عليه وسلم - على جميع المخلوقين. قوله: «إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى». شك من الراوي. هجر: هي قاعدة البحرين، وهي الأحساء، وبصرى: مدينة معروفة، بينها وبين مكة شهر.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا؛ ثم رجعت، فانطلق إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، فرفع يديه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} حتى بلغ {يشكرون} [إبراهيم (37)]. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فلذلك سعي الناس بينهما»، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه - تريد نفسها - ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث [فأغث]، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. وفي رواية: بقدر ما تغرف. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا» قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة؛ فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأرسلوا جريا أو جريين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم؛ فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس» فنزلوا، فأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم: وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل؛ فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا - وفي رواية: يصيد لنا - ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة؛ وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك! الحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسأل عنه. قالت: خرج يبتغي لنا قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله تعالى. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. وفي رواية: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد؛ فقالت امرأته: ألا تنزل، فتطعم وتشرب؟ قال: وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء، قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -: بركة دعوة إبراهيم. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك؟ قال: وتعينني، قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتا ها هنا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة (127)]. وفي رواية: إن إبراهيم خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، معهم شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة، فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله، فرجعت وجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لما فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا. قال: فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت هل تحس أحدا، فلم تحس أحدا، فلما بلغت الوادي سعت، وأتت المروة، وفعلت ذلك أشواطا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله، كأنه ينشغ للموت، فلم تقرها نفسها فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا، حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبريل عليه السلام فقال بعقبه هكذا، وغمز بعقبه على الأرض، فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تحفن... وذكر الحديث بطوله، رواه البخاري بهذه الروايات كلها.
----------------
«الدوحة» الشجرة الكبيرة. قوله: «قفى»: أي: ولى.... «والجري»: الرسول. «وألفى»: معناه وجد. قوله: «ينشغ»: أي: يشهق. أم إسماعيل: اسمها هاجر، قبطية، وهبها لسارة ملك مصر الذي أراد سارة فمنعه الله منها، ووهبتها سارة لإبراهيم. وفي الحديث: استحباب استقبال القبلة حال الدعاء، والتحريض للمقيم بمكة على عبادة المولى. قوله: «فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته». أخرج الفاكهي من حديث علي بسند حسن: «إن إبراهيم كان يزور هاجر وإسماعيل كل شهر على البراق، يغدو غدوة ثم يأتي مكة، ثم يرجع فيقيل في منزله في الشام». وفي الحديث: وقوع الطلاق بالكناية، وكنى عن المرأة بعتبة الباب لما فيها من الصفات الموافقة لها، وهي حفظ الباب، وصون ما في داخله، وكونها محل الوطء، ولهذا قال إسماعيل لزوجته الحقي بأهلك. وفيه: استحباب مفارقة من لا صبر لها عند تعاور الشدائد، وبر الوالد وتنفيذ أمره والمسارعة إليه. قوله: «فصنعا كما يصنع الوالد بالولد، والولد بالوالد» أي: من الاعتناق والمصافحة وغير ذلك. وكان عمر إبراهيم يومئذ مئة سنة، وعمر إسماعيل ثلاثين سنة. قوله: «فعند ذلك رفع القواعد»، أي: الأساس من البيت، ورفع البناء عليها.
باب المنثورات والملح
تطريز رياض الصالحين
عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين». متفق عليه.
----------------
قال البخاري: باب المن شفاء للعين، وذكر الحديث. قال الحافظ: والكمأة: نبات لا ورق لها ولا ساق، توجد في الأرض من غير أن تزرع، وهي كثيرة بأرض العرب، وتوجد بالشام ومصر، فأجوده ما كانت أرضه رملة قليلة الماء، ومنها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة، وهي باردة رطبة في الثانية، رديئة للمعدة بطيئة للهضم. وإدمان أكلها يورث القولنج، والسكتة، والفالج، وعسر البول. والرطب منها أقل ضررا من اليابس، وإذا دفنت في الطين الرطب، ثم سلقت بالماء والملح والسعتر، وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها. ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها، فلذلك كان ماؤها شفاء للعين. قال الخطابي: إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة؛ لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة. قال الغافقي: ماء الكمأة أصلح الأدوية للعين إذا عجن به الإثمد، وأكحل به، فإنه يقوي الجفن، ويزيد الروح الباصرة حدة وقوة، ويدفع عنها النوازل. انتهى ملخصا.