باب معرفة الله
رد الشرك
مسلم الزهد والرقائق (2985) ، ابن ماجه الزهد (4202) ، أحمد (2/301).
عن أبي هريرة - رضيَ اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: " قال اللَّه تعالى: أنا أغْنى الشركاءِ عن الشِّركِ، من عملَ عملا أشركَ فيه معِي غيري تَركْته وشركَه
----------------
الشرك باللَّه ينقسم إِلى قسمين: شركٌ أكبر، وهو أعظم الذنوب ؛ لأن اللَّه تعالى أخبر أنه لا يغفر إلا بالتوبة منه ؛ فمن هذا الشرك: دعاء غير اللَّه والاستغاثة بغير اللَّه والذبح لغير اللَّه والنذر لغير اللَّه. والقسم الآخر من الشرك: الشرك الأصغر ومنه: الرياء، والحلف بغير اللَّه، وقول الرجل: ما شاء اللَّه وشئت، وقوله: ما لي إلا اللَّه وأنت، وأنا متوكل على اللَّه وعليك. يقول الشيخ المصنِّف رحمه اللَّه في " كتاب القواعد الأربعة ": اعلم أرشدك اللَّه لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد اللَّه وحده مخلصا له الدين كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فإذا عرفت أن اللَّه خلقك لعبادته فاعلم أَنَّ العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أَنَّ الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة، فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النَّار، عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك لعل اللَّه أَنْ يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك باللَّه، الذي قال اللَّه تعالى فيه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
إن اللَّه لا ينام
مسلم الإيمان (179) ، أحمد (4/405).
عن أبي موسى - رضي اللَّه عنه - قال: قام فينا رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم بخمس كلمات فقال: " إنَّ اللَّه تعالى لا ينام ولا ينبَغِي له أنْ ينامَ، يخْفِض القِسطَ ويرفَعه، يرفع إليه عمَل الليلِ قبل عملِ النَّهارِ، وعمل النهارِ قبل عملِ اللَّيلِ، حِجابه النور، لو كشَفه لأَحرقتْ سبحات وجهِهِ ما انْتَهى إليهِ بصره من خَلْقِهِ
----------------
قال البغوي: قوله صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: " يخفض القسط ويرفعه فيل: أراد به الميزان كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ أي: ذوات القسط وهو العدل، وسمّى الميزان قسطا لأن العدل في القسمة يقع به، وأراد أَنَّ اللَّه يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرفوعة إليه وبما يوزن من أرزاقهم النازلة من عنده... وقيل: أراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوقٍ يخفضه مرة فيقتره، ويرفعه مرة فيبسطه، يريد أنه مقدر الرزق وقاسمه كما قال تعالى: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وقوله: سبحات وجهه، أي: نور وجهه. قال الخطابي: ومعنى الكلام أنَّه لم يطلع الخلق من جلال عظمته إلا على مقدار ما تطقه قلوبهم وتحتمله قواهم، ولو أطلعهم على كنه عظمته لانخلعت أفئدتهم وزهقت أنفسهم، ولو سلَّط نوره على الأرض والجبال لاحترقت وذابت كما قال في قصة موسى عليه السلام: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا "
اثبات ان لله يمينا
البخاري تفسير القرآن (4407) ، مسلم الزكاة (993) ، الترمذي تفسير القرآن (3045) ، ابن ماجه المقدمة (197) ، أحمد (2/313).
عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - مرفوعا: " يمين اللَّه ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض
----------------
لا يغيضها: أي لا ينقصها، من غاض الماء إذا ذهب في الأرض. سحاء: السح: الصب الدائم، أي: دائمة العطاء. ويدل الحديث - مع إثباته صفة اليمين لله - على زيادة الغنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء.
إثبات السمع والبصر لله
رواه ابو داوود وصححه الحاكم ووافقه الذهبى
عن أبي هريرةَ - رضي اللَّه عنه- أ أَنَّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قرأ هذه الآية إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ويضع إبهامَيهِ على أذنيهِ والتي تلِيهَا على عينيه
----------------
وَوَضْعِه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم أصبعه على أذنيهِ وعينيهِ عند قراءته سميعا بصيرا، معناه إثبات صفة السمع والبصر للَّه سبحانه وتعالى على ما يليق بجلال اللَّه وعظمته، فللَّه سمع وبصر ولكن ليس كسمعنا ولا بصرنا، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله
البخاري التوحيد (6944) ، أحمد (2/52)
عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال:. " مفاتِيح الغيبِ خمس لا يعلَمها إِلا اللَّه: لا يعلم ما في غدٍ إِلا اللَّه، ولا يعلم ما تَغِيض الأرحام إلا اللَّه، ولا يعلم متى يأتي المطر أَحد إلا اللَّه، ولا تدري نفس بأَيِّ أرضٍ تموت إلا اللَّه، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا اللَّه تبارك وتعالى.
----------------
هذا الحديث الشريف رد على من يدَّعي علم الغيب من الكهنة والسحرة. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (8 / 514): قال الشيخ أبو محمد بن أبي جَمرَة: " عبَّر بالمفاتيح لتقريب الأمر على السامع لأن كل شيِء جعل بينك وبينه حجاب فقد غيّب عنك، والتوصل إِلى معرفته في العادة من الباب فإذا أغلق الباب احتيج إِلى المفتاح فإذا كان الشيء الذي لا يطلع على الغيب إلا بتوصيله لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب " قال ابن كثير في تفسير سورة لقمان (3 / 455): " قال قتادة: أشياء استأثر اللَّه بهن فلم يطلع عليهن ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا.
إثبات صفة الفرح لله
البخاري الدعوات (5950) ، مسلم التوبة (2747) ، أحمد (3/213). "
عن أنس بن مالك - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: لله أشد فرحا بتوبةِ عبدِهِ حينَ يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ فانفلتَتْ منه وعليها طعامه وشرابه فَأَيِسَ منها، فَأَتَى شجرة فاضطجع في ظلِّها وقد أَيسَ من راحلته، فبينما هو كذلك إِذْ هو بها قائِمةٌ عنده فأخذ بِخِطامِها فقال من شدِّةِ الفرح: اللَّهم أَنت عبدي وأَنا ربّكَ، أَخطأَ من شاة الفرح.
----------------
هذا الحديث يثبت صفة الفرح لله سبحانه وتعالى، مع الاعتقاد بأن اللَّه سبحانه وتعالى منزه عن صفات المخلوقين. والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على فعله والعزم على عدم العودة ورد المظلمة إن كانت أو طلب البراءة من صاحبها وهي أبلغ ضروب الاعتذار. قال الحافظ في " الفتح " (11 / 108): قال عياض فيه: " إِن ما قاله الإنسان من مثل هذا في حال الدهشة وذهوله لا يؤاخذ به، وكذا حكايته عنه على طريق علمي وفائدة شرعية لا على الهزل والمحاكاة والعبث ".
إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى
مسلم التوبة (2759) ، أحمد (4/404)
عن أبي موسى - رضي اللَّه عنه- أنَّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال:. " إن اللَّه يَبسط يده باللَّيلِ ليتوبَ مسيء النهار ويبسط يده بالنَّهارِ ليتوبَ مسيء اللَّيلِ حتى تَطْلعَ الشَّمس من مَغرِبها.
----------------
يثبت هذا الحديث صِفةَ اليد لله سبحانه وتعالى، وهذه اليد ليست كيدنا بل يد تليق بجلال اللَّه سبحانه وتعالى دون تشبيه، ولا تمثيل ولا تعطيل. ويثبت- أَيضا- أن التوبة لا يختص قبولها بوقت معين إلا ما حدده الرسول صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها.
إثبات صفة الرحمة لله سبحانه وتعالى
لبخاري الأدب (5653) ، مسلم التوبة (2754).
عن عمر - رضي اللَّه عنه- قال: ا قدِمَ على رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم بِسَبيِ هوازِنَ ؛ فإذا امرأة من السبيِ تسعى إذْ وجدت صبيا في السَّبي فأخذته فأَلزقته بِبطنِها فأرضعته، فقال النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: " أَترَونَ هذه المرأَةَ طارِحة ولدها في النَّارِ؟! " قلنا: لا واللَّه ! فقال: " لَلَّه أَرحم بعبادِهِ من هذهِ بولدِها.
----------------
قال الحافظ في " الفتح " (11 / 430): " وعرف من سياقه أنها كانت فقدت صبيا وتضرّرت باجتماع اللبن في ثديها فكانت إذا وجدت صبيا أرضعته ليخف عنها فلما وجدت صبيها بعينه أخذته فالتزمته... ". وفي الحديث إشارة إِلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلّقه في جميع أموره باللَّه وحده وأن كل من فرض أن فيه رحمة ما حتى يقصد لأجلها فاللَّه سبحانه وتعالى أرحم منه فليقصد العاقل لحاجته من هو أشد له رحمة.
سعة رحمة الله عز وجل
البخاري بدء الخلق (3022) ، مسلم التوبة (2751)
عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: لما خلق اللَّه الخلْقَ كتبَ في كتابٍ فهو عندَه فوق العرش: إِن رحمتي غَلبَتْ غضبي.
----------------
قال أَبو سليمان الخطابي: أَراد بالكتاب أحد شيئين: إما القضاء الذي قضاه وأوجبه كقوله سبحانه وتعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي أي: قضى اللَّه، ويكون معنى قوله: " فهو عنده فوق العرش " أي: فعلم ذلك عند اللَّه فوق العرش لا ينساه ولا ينسخه ولا يبدله كقوله سبحانه وتعالى: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى وإِما أن يكون أراد بالكتاب اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر الخلق وبيان أمورهم وذكر آجالهم وأرزاقهم والأقضية النافذة فيهم ومآل عواقب أمورهم. قلت: ويثبت هذا الحديث العرش، وأنه سبحانه فوق العَرش على السماء، ويثبت صفة الرحمة والغضب للّه سبحانه وتعالى
جعل الله الرحمة في مائة جزء
البخاري الرقاق (6104) ، مسلم التوبة (2752) ،
أنَّ رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: جعل اللَّه الرَّحمةَ مائةَ جزءٍ، فأَمسك عندَه تسعة وتسعينَ جزءا وأَنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزءِ تتراحَم الخلائِق حتى تَرفَع الدَّابَّة حافِرها عن ولدها خَشْيةَ أَنْ تصيبَه.
----------------
قال الحافظ (10 / 431): قال القرطبي: مقتضى هذا الحديث أن اللَّه علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحدٍ انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي فبلغت مائة، وكلها للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا فإن رحيما من أبنية المبالغة التي لا شيء فوقها ويفهم من هذا أن الكفار لا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها إذا كمل كل ما كان في علم اللَّه من الرحمات للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
تعجيل حسنات الكافر في الدنيا
مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2808) ،
عن أنس - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: إِنَّ الكافِرَ إذا عمِلَ حسنة أطعِمَ بها طعمَة في الدنيا، وأمَّا المؤْمِن فإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِر له حسناتِهِ في الآخرة ويعقِبه رزقا في الدنيا على طاعتِهِ
----------------
قال النووي في " شرح صحيح مسلم " (17 / 150): أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفر لا ثواب له في الآخرة ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إِلى اللَّه تعالى. وأمَّا إذا فعل الكافر مثل هذه الحسنات ثم أسلم فإنه يثاب عليها في الآخرة على المذهب الصحيح "
إثبات صفة الرضى لله سبحانه وتعالى
مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2734) ،
إِن اللَّه ليرضى عن العبدِ يأْكل الأَكْلَةَ فيحمَده عليها، ويشرب الشَّربةَ فيحمَده عليها.
----------------
في هذا الحديث يثبت الرسول صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم لرَبه سبحانه وتعالى صفة الرضى، وأهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة لله سبحانه وتعالى من غير تكييف ولا تمثيل على حد قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فنثبت صفة الفرح، فرحا يليق بجلال وجه اللَّه عز وجل وعظيم سلطانه.
عظمة الله سبحانه وتعالى
الترمذي الزهد (2312) ، ابن ماجه الزهد (4190) ، أحمد (5/173
عن أبي ذرّ - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم:). أطَّتِ السَّماء وحقَّ لها أن تئطَّ ما فيها موضِع أَربَعِ أَصابع إلَّا وفيه مَلك ساجد للهِ تعالى، واللَّهِ لو تعلمونَ ما أَعلم لضحِكْتم قليلا وَلَبكيتم كثيرا وما تلذَّذْتم بالنِّساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدَاتِ تجأَرونَ إلى اللَّه تعالى.
----------------
أطَّت السماء: الأطيط هو صوت الأقناب، وأطيط الإبل: صوتها وحنينها، أي: خرج لها صوت لكثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت. لخرجتم: أي: من منازلكم. الصعدات: أي: الطرق، وقيل: فناء باب الدار وممر الناس بين يديه، وقيل: المراد بالصعدات البراري والصحاري. تجأرون إلى اللَّه: أي: تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء. لو تعلمون ما أعلم: أي: من عقاب اللَّه للعصاة وشدة المناقشة يوم الحساب لبكيتم كثيرا، أي: من خشية اللَّه ترجيحا للخوف على الرجاء وخوفا من سوء الخاتمة.
حرمة التألي على الله
مسلم البر والصلة والآداب (2621)
عن جنْدب - رضي اللَّه عنه- مرفوعا:. قالَ رجل: واللَّهِ لا يَغفِر اللَّه لفلانٌ، فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: من ذا الَّذي يَتَأَلَّى علي أَنْ لا أَغفرَ لفلانٍ؟ إِني قد غفرت له وأَحبطت عملكَ.
----------------
يتألى: يحلف، والأَلية اليمين. قال النووي في " شرح مسلم " (16 / 174): " وفيه دلالة لمذهب أهل السنَّة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء اللَّه غفرانها، واحتجت المعتزلة به في إِحباط الأعمال بالمعاصي الكبائر، ومذهب أهل السنَّة أنها لا تحبط إلا بالكفرِ، ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته، وسمي إحباطا مجازا، ويحتمل أنه جرىَ منه أمر آخر أوجب الكفر، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا وكان هذا حكمهم "
المؤمن بين الرجاء والخوف
مسلم التوبة (2755)
عن أبي هريرةَ - رضي اللَّه عنه- مرفوعا:. لو يعلم المؤمِن ما عند اللَّهِ من العقوبة ما طَمِعَ بجنَّتِهِ أَحد، وَلو يعلم الكافر ما عند اللَّهِ من الرحمَةِ ما قَنِطَ من جنَّتِهِ أَحد
----------------
هذه الكلمة سيقت لترغيب المؤمن في سعة رحمة اللَّه التي لو علمها الكافر الذي كتب علية أنه يختم عليه أنه لا حظ له في الرحمة لتطاول إليها ولم ييأس منها إما بإيمانه المشروط وإِمّا لقطع نظره عن الشرط مع تيقنه بأنه على الباطل واستمراره عليه عنادا، فإذا كان هذا حال الكافر فكيف لا يطمع فيها المؤمن الذي هداه اللَّه للإيمان !
قرب الجنة والنار من الإنسان
البخاري الرقاق (6123) ، أحمد (1/442)
عن ابن مسعود - رضي اللَّه عنة- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم:. الجنَّة أَقرب إلى أَحدِكم من شِراكِ نعلِهِ، والنَّار مِثل ذلك
----------------
الشِراك: هو السير الذي يدخل فيه إصبع الرجْل ويطلق على كل سير وقي به القدم قال الحافظ في " الفتح " (11 / 321): قال ابن بطال: " فيه أن الطاعة موصلة إِلى الجنَّة وأن المعصية مقربة إلى النَّار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون من أيسر الأشياء، وجاء في الحديث: " إِن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان اللَّه لا يلقي لها بالا، يرفعه اللَّه بها درجات، وإِن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنَّم " وقال أيضا: فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل الخير أن يأتيه ولا في قليل من الشر أن يجتنبه ؛ فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه اللَّه بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها. قال ابن الجوزي: معنى الحديث أَنَّ تحصيل الجَنَّة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنَّار كذلك بمرافقة الهوى وفعل المعصية.
رحمة الله لمن في قلبه رحمة
البخاري أحاديث الأنبياء (3280) ، مسلم السلام (2245) ،
عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه- مرفوعا:. إِنَّ امرأة بغيّا رأَت كلبا في يومٍ حار يطِيف ببئرٍ قد أَدلَعَ لِسانَه من العطشِ فنزعت له موقَهَا فَسقَتْه فغفِر لها به.
----------------
المواق: الخف. في الحديث الحثّ على الإحسان إِلى الناس لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجرا. واستدل به على جواز صدقة التطوع للمشركين وينبغي أن يكون محله إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق، واللَّه أعلم.
تحريم قتل الهرة
البخاري أحاديث الأنبياء (3295) ، مسلم البر والصلة والآداب (2242) ،
وقال: دخلت النَّارَ امرأة في هرةٍ حبستها ؛ لا هي أَطعمتها، ولا هي أَرسلتها تأْكل من خَشَاشِ الأَرضِ
----------------
خَشاش الأرض: بفتح الخاء ويجوز ضمها وكسرها، المراد: هوام الأرض وحشراتها من فأرة ونحوها. قال الحافظ في " الفتح " (6 / 357): وظاهر الحديث أن المرأة عذبت بسبب قتل هذه الهرة بالحبس.
إثبات صفة التعجب لله سبحانه وتعالى
صحيح الترغيب للالبانى / البخارى
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يعجب ربك من راعي غنم على رأس شظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة " " عجب الله من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل "
----------------
صفة العجب لله جل فى علاه تليق به سبحانه
صبر الله سبحانه وتعالى على الذين يدعون له ولدا
البخاري الأدب (5748) ، مسلم صفة القيامة والجنة والنار (2804) ،
عن أبي موسى الأشعري - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: وما أَحد أَصبرَ على أذى يسمَعه من اللَّه ؛ يدعونَ له الولدَ ثم يعافِيهم ويرزقهم. "
----------------
قال الحافظ في " فتح الباري " (13 / 361): أصبر: أفعل تفضيل من الصبر، ومن أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى الصبور، ومعناه الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة... وفي الحديث إشارة إِلى القدرة على الإحسان إليهم مع إساءتهم بخلاف طبع البشر فإنه لا يقدر على الإحسان إلى المسيء إلا من جهة تكلفه ذلك شرعا، وسبب ذلك أن يحمله على المسارعة إِلى المكافأة بالعقوبة واللَّه سبحانه قادر على ذلك حالا ومآلا لا يعجزه شيء ولا يفوته ا هـ بتصرف يسير.
إثبات صفة الحب لله
البخاري الأدب (5693) ، مسلم البر والصلة والآداب (2637) ،
عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: إن اللَّه تباركَ وتعالى إذا أَحب عبدا نادى: يا جبريل! إنّ اللَّهَ يحِبّ فلانا فأَحبه، فيحِبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماءِ: إِن اللَّه يحِب فلانا فأَحِبوه، فيحِبه أَهل السماء ويوضع له القَبول في الأَرض.
----------------
في هذا الحديث إثبات صفة الحب لله سبحانه وتعالى وصفة الكلام له سبحانه، والمراد بالقبول في هذا الحديث: قبول القلوب له بالمحبة والميل إليه والرضا عنه. ويؤخذ منه أن محبة قلوب الناس علامة محبة اللَّه، ويؤيد حديث " أنتم شهداء اللَّه في الأرض
إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة للمؤمنين
البخاري مواقيت الصلاة (529) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (633) ،
عن جرير بن عبد اللَّهِ البجلي - رضي اللَّه عنه- قال: كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم إِذ نظر إِلى القمرِ ليلة البدرِ قال: إِنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤْيتهِ، فإِن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمسِ وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا "
----------------
هذا الحديث يثبت رؤية اللَّه سبحانه وتعالى للمؤمنين يوم القيامة، وهي أعظم نعمة تعطى لأهل الجَنَّة ؛ فقد أخرج مسلم (1 / 163) (رقم: 181) وغيره عن صهيب - رضي اللَّه عنه- أن النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: إذا دخل أهل الجَنَّة الجَنَّة، قال: يقول اللَّه تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟! فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجَنَّة وتنجّنا من النَّار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. وسئل الشافعى رحمه الله فقال عاقب اهل المعصية فقال " كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " فدل ذلك على ان اهل الطاعة سينعمون برؤيته سبحانه.
انتقام الله لمن عادى له وليا
البخاري الرقاق (6137).
عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: إِن اللَّه تبارك وتعالى قال: من عادى لي وليّا فقد آذنْته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي من أداءِ ما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافِلِ حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطِش بها ورجله التي يمشي بها، ولئِنْ سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن قبضِ نفسِ عبدي المؤمن ؛ يكره الموت وأكره مَسَاءَتَهُ ولا بد له منه.
----------------
قال الحافظ في " الفتح " (11 / 342): المراد بولي اللَّه: العالم باللَّه المواظب على طاعته المخلص في عبادته قال الحافظ: قال ابن هبيرة: يؤخذ من قوله: " ما تقرب.. إِلخ "، أن النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحقّقت منه إرادة التقرب.
نزول الله سبحانه وتعالى
البخاري الجمعة (1094) ، مسلم صلاة المسافرين وقصرها (758)
وعنه أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: ينزِل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إِلى سماءِ الدنيا حين يبقى ثلث الليلِ الآخِر يقول: من يدعوني فأستجِيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفِرني فأغفر له "
----------------
ونزول اللَّه سبحانه وتعالى ثابت وهو نزول يليق بجلاله وعظمة سلطانه، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل نزولا يليق به وعرشه لايخلو منه نزولا لايشبه نزول البشر سبحانه لانه ليس كمثله شئ
وصف الجنان والنظر إلى الله سبحانه وتعالى
البخاري تفسير القرآن (4598) ، مسلم الإيمان (180) ،
عن أبي موسى الأشعري - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: جنتانِ من ذهب آنيتهما وما فيهِما، وجنتانِ من فضةٍ آنيتهما وما فيهِما، وما بين القومِ وبين أن ينظروا إلى ربِّهم إِلا رداء الكبرياءِ على وجهِهٍ في جنةِ عدن.
----------------
قال الحافظ عن رداء الكبرياء بعد ذكر أقوال العلماء: وحاصله أن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكأن في الكلام حذفا تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه، فكأنّ المراد أن المؤمنين إذا تبوءوا مقاعدهم من الجَنَّة لولا ما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل، فإذا أراد إكرامهم حفّهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه