غارت أمكم...
أن تكظم غيظك فهذا من أعظم مكارم الإخلاق والفعل الجميل
أن تعفو وتسامح بعد فهذا أجمل
أن تحسن لمن أخطأ فهو أجمل وأجمل
لكن أن تعتذر له وتدافع في لحظة خطئه
وتستدعي تاريخه الجميل
وتبرر سبب ما حصل
وتخشى سوء الظن بصاحبك
وتحذر من شهد الموقف ألا يظن ظنا سيئا.
فهذا أفق عظيم
(غارت أمكم)
في كلمتين
تكثفت مكارم الأخلاق في حروفها
(غارت)
فما فعلته فعل فطري معذورة فيه لأنه فعل غريزي يتشاركه الخلق.
إنه مجرد ردة فعل صغيرة لباعث بشري وفيه تحجيم لما حصل
وفيه تلميح بالوجه الجميل في فعلها وهو الحب له صلى الله عليه وسلم والغيرة عليه فكان هذا كالثناء عليها رضي الله عنها. وتزكيتها عند الحاضرين
ولم يقل ( فلانة)
بل قال (أمكم)
ليستدعي في أذهان كل من حضر وسمع مكانة الأم وأنها أم المؤمنين ويذكر بقدرها واحترامها وألا تسول له نفسه العتاب لها فإنهم أمكم
كل هذا في دوي سقوط الصحفة وتفرق الطعام فيها.
ولفتة جميلة أنه لم يوجه الخطاب إليها وهي في لحظة غضبها ووجعها وربما ندمها بل خاطب الحاضرين وكأنما جعلها تحتمي به صلى الله عليه وسلم من نظراتهم
هذا تحليق صعب في سماء الإخلاق لا يطيقه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكنه باعث لمحاولة الاقتداء والاقتراب.
رواه البخاري في صحيحه
كانَ النَّبيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيها طَعامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النَّبيُّ ﷺ في بَيْتِها يَدَ الخادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فانْفَلَقَتْ، فجَمَع النَّبيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيها الطَّعامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ الخادِمَ حتّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِها، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُها، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ.
مختارات