(أذلة على المؤمنين)
قال الطبري رحمه الله
من قول القائل:"ذلَّ فلان لفلان". إذا خضع له واستكان.
لقد جاءت الشريعة بالأمر بالتعاطف والتعاون والتراحم والتواد والنجدة والنصرة بين المؤمنين.
ولكن أن يجعل عنوان ذلك (الذل للمؤمنين)
يدل على معنى جوهري ومحوري في ترتيب علاقة المؤمن بإخوانه.
الذل مرير على النفوس الكريمة لا سيما النفوس المؤمنة ولذلك كان الاتصاف به في معاملة المؤمنين يحتاج إلى مجاهدة عظيمة للنفس ومكابدة تجريعها مرارة الاستكانة والذل في مواقف كثيرة.
من السهل وموافقة النفس: الكرم والنجدة حيث تنساب النفوس فطرة مع هذه الخلال وتستريح فيها. في مقابل نفورها من الذل والخضوع.
وأعظم الذل المأمور به للوالدين ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) وكلما كانت القرابة أعظم كان نصيب المؤمن من الذل فيها أكبر.
مئات العلاقات ليس فيها مصلحة دنيوية لا خسارة في تركها ولا خوف من زوالها
كثيرون لا ترجو منهم رغبة ولا تخاف منهم رهبة
لكن تجدك مضطرا لركوب أسنة الذل لتستمر هذه العلاقة
هذا الذل في حقيقته ليس ذلا للمخلوقين بل هو ذل لله وخضوع له حيث يحب الله ذلك في هذا المقام.
كثيرون حقك عليهم أعظم من حقهم عليك
كأن تكون في درجة قرابة أو سن أو فضل أو جميل أكبر منهم إن انتظرت مبادرتهم اندرست هذه العلاقة وماتت.
فلا بد من أن تأخذ قسطا من الذل للتواصل معهم وإحياء الموات.
بعضهم يفهم تواصلك حاجة فيزداد ترفعا فتزداد متاعبك مع مجاهدة نفسك التي تطمح أن تلقي بهم عرض الحائط لكن هناك مطالب القرابة أو الجيرة أو الإخوة الإيمانية.
الذل عنوان مركزي لا يغني عنه غيره في هذه الآية.
وفي الحديث
(ما تواد اثنان إلا كان أحبهما إلى الله أكثرهما حبا لصاحبه)
والذل أحد ركني الحب.
ترى عشرات العلاقات بين الناس وميزان الذل دائما يرجح تجاه أعظمهما قدرا ومنزلة ومكانة وشرفا.
بينما ترى السفهاء يقتاتون على ما يبذله هؤلاء الأشراف من كرامتهم لهؤلاء السفهاء.
لقد رأيت آباء يذلون لأولادهم وكبار سن يذلون لصغار وأهل فضل لسفهاء وزوجة صالحة لزوج أرعن وزوج كريم لزوجة بلهاء وحليم لأحمق وكل هؤلاء لم يذلوا رغبة ولا رهبة ولديهم خيارات الرحيل لا يخسر فيها إلا الذين رحلوا عنهم لكنهم يراعون مصالح الشريعة وينحازون للذل للمؤمنين.
حين يكون الذل طاعة لله وتحقيقا لأمره فهو عين الكرامة والتوفيق والعزة والشرف والمكانة.
مختارات